وَعَلَى هَذَا لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ وَالْمُسْتَعِيرُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَضْيِيعٍ، بِخِلَافِ مَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتَاوَى. .
قَالَ (وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ حِرْزٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ قُطِعَ) لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُحَرَّزًا بِأَحَدِ الْحِرْزَيْنِ (وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مَالًا مِنْ حَمَّامٍ أَوْ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ) لِوُجُودِ الْإِذْنِ عَادَةً أَوْ حَقِيقَةً فِي الدُّخُولِ فَاخْتَلَّ الْحِرْزُ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ حَوَانِيتُ التُّجَّارِ وَالْخَانَاتُ، إلَّا إذَا سَرَقَ مِنْهَا لَيْلًا لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا الْإِذْنُ يَخْتَصُّ بِالنَّهَارِ (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَتَاعًا وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ قُطِعَ) لِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ بِالْحَافِظِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ
رَأْسِهِ أَوْ تَحْتَ جَنْبِهِ.
وَجْهُ الصَّحِيحِ مَا ذَكَرْنَا (وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ وَالْمُسْتَعِيرُ) إذَا حَفِظَ الْوَدِيعَةَ وَالْعَارِيَّةَ كَذَلِكَ فَسُرِقَتْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِفْظًا لَضَمِنَا (بِخِلَافِ مَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتَاوَى) فَإِنَّهُ أَوْجَبَ فِيهَا الضَّمَانَ عَلَى الْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا، ثُمَّ مَا كَانَ حِرْزًا لِنَوْعٍ يَكُونُ حِرْزًا لِجَمِيعِ الْأَنْوَاعِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ، حَتَّى لَوْ سَرَقَ لُؤْلُؤَةً مِنْ إصْطَبْلٍ أَوْ حَظِيرَةِ غَنَمٍ يُقْطَعُ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ الْغَنَمَ مِنْ الْمَرْعَى فَقَدْ أَطْلَقَ مُحَمَّدٌ عَدَمَ الْقَطْعِ فِيهِ وَفِي الْفَرَسِ وَالْبَقَرِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَنْ يَحْفَظُهَا، فَإِنْ كَانَ قُطِعَ إذَا لَمْ يَكُنْ رَاعِيًا، فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَحْفَظُهَا الرَّاعِي فَفِي الْبَقَّالِيِّ لَا يُقْطَعُ، وَهَكَذَا فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَطْلَقَ خُوَاهَرْ زَادَهْ ثُبُوتَ الْقَطْعِ إذَا كَانَ مَعَهَا حَافِظٌ. وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ الرَّاعِيَ لَمْ يَقْصِدْ لِحِفْظِهَا مِنْ السُّرَّاقِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَنَقَلَ الْإِسْبِيجَابِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُعْتَبَرُ بِحِرْزِ مِثْلِهِ فَلَا يُقْطَعُ بِاللُّؤْلُؤَةِ مِنْ الْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ وَالثِّيَابِ النَّفِيسَةِ مِنْهَا، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ حِرْزٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ) كَالصَّحْرَاءِ (وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ قُطِعَ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُحَرَّزًا بِأَحَدِ الْحِرْزَيْنِ) وَهَذَا بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِهِ إذَا كَانَ وَقْتَ الْإِذْنِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَخْتَصُّ بِمَا يَلِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَلَا يَرِدُ الْحَمَّامُ فَإِنَّهُ حِرْزٌ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ أَوْ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ تَقْيِيدٌ لَهُ، فَإِنَّهُ بِعُمُومِهِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُقْطَعَ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ.
(قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ) أَيْ يَدْخُلُ فِي بَيْتٍ أُذِنَ فِي دُخُولِهِ (الْخَانَاتُ وَالْحَوَانِيتُ) فَيَثْبُتُ فِيهَا حُكْمُ عَدَمِ الْقَطْعِ نَهَارًا فَإِنَّ التَّاجِرَ يَفْتَحُ حَانُوتَهُ نَهَارًا فِي السُّوقِ وَيَأْذَنُ لِلنَّاسِ فِي الدُّخُولِ لِيَشْتَرُوا مِنْهُ فَإِذَا سَرَقَ وَاحِدٌ مِنْهُ شَيْئًا لَا يُقْطَعُ وَكَذَا الْخَانَاتُ (إلَّا إذَا سَرَقَ مِنْهَا لَيْلًا لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ) وَإِنَّمَا اخْتَلَّ الْحِرْزُ بِالنَّهَارِ لِلْإِذْنِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِاللَّيْلِ (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَتَاعًا وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ قُطِعَ لِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ بِالْحَافِظِ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute