وَأَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا. وَقِيلَ يُجْعَلُ عُذْرًا أَيْضًا. لَهُ أَنَّهُ قَطَعَ يَدًا مَعْصُومَةً وَالْخَطَأُ فِي حَقِّ الْعِبَادِ غَيْرُ مَوْضُوعٍ فَيَضْمَنُ. قُلْنَا إنَّهُ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ، إذْ لَيْسَ فِي النَّصِّ تَعْيِينُ الْيَمِينِ، وَالْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ مَوْضُوعٌ. وَلَهُمَا أَنَّهُ قَطَعَ طَرَفًا مَعْصُومًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيلٍ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ الظُّلْمَ فَلَا يُعْفَى وَإِنْ كَانَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ لِلشُّبْهَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا كَمَنْ شَهِدَ عَلَى غَيْرِهِ بِبَيْعِ مَالِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَطَعَهُ غَيْرُ الْحَدَّادِ لَا يَضْمَنُ أَيْضًا هُوَ الصَّحِيحُ.
عَنْ قَطْعِ السَّرِقَةِ نَظَرًا إلَى إطْلَاقِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ (أَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ مِنْ الشِّمَالِ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا) لِأَنَّهُ بَعِيدٌ يُتَّهَمُ فِيهِ مُدَّعِيهِ، وَعَلَى هَذَا فَالْقَطْعُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَمْدٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَعْنَى الْعَمْدِ حِينَئِذٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْقَطْعَ لِلْيَسَارِ لَا عَنْ اجْتِهَادٍ فِي إجْزَائِهَا (وَقِيلَ) الْخَطَأُ فِي الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ (يُجْعَلُ عَفْوًا أَيْضًا. لِزُفَرَ أَنَّهُ قَطَعَ يَدًا مَعْصُومَةً. وَالْخَطَأُ فِي حَقِّ الْعِبَادِ غَيْرُ مَوْضُوعٍ فَيَضْمَنُهَا. وَلَنَا أَنَّهُ)
إنَّمَا (أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ وَخَطَأُ الْمُجْتَهِدِ مَوْضُوعٌ) بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ لِأَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ يُسَوِّي بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ (وَلَهُمَا) فِي الْعَمْدِ (أَنَّهُ) جَانٍ حَيْثُ (قَطَعَ يَدًا مَعْصُومَةً بِلَا تَأْوِيلٍ تَعَمُّدًا لِلظُّلْمِ فَلَا يُعْفَى وَإِنْ كَانَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ) لِأَنَّهُ هُوَ لَمْ يَفْعَلْهُ عَنْ اجْتِهَادٍ (وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقَوَدُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ) النَّاشِئَةِ مِنْ إطْلَاقِ النَّصِّ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵁ أَنَّهُ) وَإِنْ (أَتْلَفَ) بِلَا حَقٍّ ظُلْمًا لَكِنَّهُ (أَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ) وَهِيَ الْيَمِينُ فَإِنَّهَا لَا تُقْطَعُ بَعْدَ قَطْعِ الْيُسْرَى وَهِيَ خَيْرٌ لِأَنَّ قُوَّةَ الْبَطْشِ بِهَا أَتَمُّ فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ أَخْلَفَ لِأَنَّ الْيَمِينَ كَانَتْ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَكَانَتْ كَالْفَائِتَةِ فَأَخْلَفَهَا إلَى خَلْفِ اسْتِمْرَارِهَا وَبَقَائِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، لِأَنَّهُ وَإِنْ امْتَنَعَ بِهِ قَطْعُ يَدِهِ لَكِنْ لَمْ يُعَوِّضْهُ مِنْ جِنْسِ مَا أُتْلِفَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ، وَأَمَّا إنْ قَطَعَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَلَمْ يُعَوِّضْ عَلَيْهِ شَيْئًا أَصْلًا وَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى رَجُلٍ بِبَيْعِ عَبْدٍ بِأَلْفَيْنِ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ شَهِدَا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يَضْمَنَانِ شَيْئًا (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْإِخْلَافِ بِقَطْعِ يَسَارِهِ (غَيْرِ الْحَدَّادِ أَيْضًا) لِلْإِخْلَافِ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ: هَذَا كُلُّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute