وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ يُقْطَعُ فِي الْوَجْهَيْنِ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَى نَفْسِهِ وَطَرَفِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَالُ الْمَوْلَى، وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ غَيْرُ مَقْبُولٍ إلَّا أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ يُؤَاخَذُ بِالضَّمَانِ وَالْمَالِ لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِهِ لِكَوْنِهِ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ.
وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ أَيْضًا، وَنَحْنُ نَقُولُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ
الثَّلَاثَةِ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلَوْ كَانَ مَأْذُونًا قُطِعَ فِي الْوَجْهَيْنِ) وَيُرَدُّ الْمَالُ لِلْمُقَرِّ لَهُ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَذَّبَهُ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُقْطَعُ وَلَكِنْ يُرَدُّ الْمَالُ. وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا، فَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ هَالِكَةٍ قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُقْطَعُ. وَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ قَائِمَةٍ فَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ، فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ زُفَرَ لَا يُقْطَعُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا وَالْإِقْرَارُ بِهَالِكَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ، أَوْ مَأْذُونًا وَالْإِقْرَارُ بِهَالِكَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ. وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ فِي هَذَا. أَعْنِي إقْرَارَ الْمَحْجُورِ بِقَائِمَةٍ فِي يَدِهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقْطَعُ وَتُرَدُّ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ بِسَرِقَتِهَا مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْطَعُ وَالسَّرِقَةُ لِمَوْلَاهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُقْطَعُ وَالسَّرِقَةُ لِمَوْلَاهُ وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ بَعْدَ الْعَتَاقِ الْمُقَرُّ لَهُ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: سَمِعْت أُسْتَاذِي ابْنَ أَبِي عِمْرَانَ يَقُولُ: الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ كُلُّهَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، فَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَخَذَ بِهِ مُحَمَّدٌ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ. ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ، فَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْحُمْلَانِ فِي الزَّكَاةِ. وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا كَذَّبَهُ الْمَوْلَى فِي إقْرَارِهِ وَقَالَ الْمَالُ مَالِي، أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ فَلَا إشْكَالَ فِي الْقَطْعِ وَرَدُّ الْمَالِ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِهِ اتِّفَاقًا، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ كَبِيرًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ أَصْلًا وَهُوَ ظَاهِرٌ. غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا يُرَدُّ الْمَالُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى يُرَدُّ الْمَالُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ هَالِكًا وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ.
وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الْكَلَامَ مَعَ زُفَرَ فَقَالَ (إنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ إقْرَارَهُ) بِهَا (يُرَدُّ) أَثَرُهُ (عَلَى نَفْسِهِ أَوْ طَرَفِهِ) بِالْإِتْلَافِ (وَكُلُّ ذَلِكَ مَالُ الْمَوْلَى) فَالْإِقْرَارُ بِهِ إقْرَارٌ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ (وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ غَيْرُ مَقْبُولٍ إلَّا أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ) لَمَّا تَضَمَّنَ إقْرَارُهُ الْإِقْرَارَ بِالْمَالِ وَالطَّرَفِ وَبَطَلَ فِي الطَّرَفِ (يُؤَاخَذُ) بِالْمَالِ (بِضَمَانِهِ) إنْ كَانَ هَالِكًا وَيَرُدُّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا (لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالْمَالِ لِكَوْنِهِ مُسَلَّطًا عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى) حَيْثُ أَذِنَ لَهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ (وَنَحْنُ نَقُولُ الْإِقْرَارُ بِهَا مِنْهُ صَحِيحٌ لِأَنَّ أَثَرَ الْإِقْرَارِ بِهَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ آدَمِيٌّ) لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ مَالٌ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ مِلْكِهِ؛ أَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute