للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا﴾ الْآيَةَ. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: الْجِهَادُ وَاجِبٌ إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي سَعَةٍ حَتَّى يُحْتَاجَ إلَيْهِمْ، فَأَوَّلُ هَذَا الْكَلَامِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ عَلَى الْكِفَايَةِ

أَهْلِ الْإِسْلَامِ شَرْقًا وَغَرْبًا، كَجِهَازِ الْمَيِّتِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ يَجِبُ أَوَّلًا عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا عَجْزًا وَجَبَ عَلَى مَنْ بِبَلَدِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا هَكَذَا ذَكَرُوا، وَكَأَنَّ مَعْنَاهُ إذَا دَامَ الْحَرْبُ بِقَدْرِ مَا يَصِلُ الْأَبْعَدُونَ وَبَلَغَهُمْ الْخَبَرُ وَإِلَّا فَهُوَ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ.

بِخِلَافِ إنْفَاذِ الْأَسِيرِ وُجُوبُهُ عَلَى الْكُلِّ مُتَّجَهٌ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مِمَّنْ عَلِمَ، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْثَمَ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ، وَقُعُودُهُ لِعَدَمِ خُرُوجِ النَّاسِ وَتَكَاسُلِهِمْ أَوْ قُعُودِ السُّلْطَانِ أَوْ مَنْعِهِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا﴾ قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ رُكْبَانًا وَمُشَاةً، وَقِيلَ شَبَابًا وَشُيُوخًا، وَقِيلَ عُزَّابًا وَمُتَزَوِّجِينَ، وَقِيلَ أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالُ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ: أَيْ انْفِرُوا مَعَ كُلِّ حَالٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ. وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ لَمْ يَعْذُرْ أَحَدًا فَأَفَادَ الْعَيْنِيَّةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ عَلَى كُلِّ مَنْ ذَكَرَ فِي التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْكِفَايَةِ فَلَا يُفِيدُ تَعْيِينُهَا الْعَيْنِيَّةَ، بَلْ الْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْآيَاتِ كُلُّهَا لِإِفَادَةِ الْوُجُوبِ، ثُمَّ تُعْرَفُ الْكِفَايَةُ بِالْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَمَّا الْعَيْنِيَّةُ فِي النَّفِيرِ الْعَامِّ فَبِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مِنْ إغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ وَالْمَظْلُومِ، وَهَذَا مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ. ثُمَّ ذَكَرَ الرِّوَايَةَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (الْجِهَادُ وَاجِبٌ إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي سَعَةٍ مِنْ تَرْكِهِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَيْهِمْ) قَالَ (فَأَوَّلُ هَذَا الْكَلَامِ) يَعْنِي قَوْلَهُ: وَاجِبٌ وَأَنَّهُمْ فِي سِعَةٍ مِنْ تَرْكِهِ (إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْكِفَايَةِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>