(وَلَا يَجِبُ الْجِهَادُ عَلَى صَبِيٍّ)؛ لِأَنَّ الصِّبَا مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ (وَلَا عَبْدٍ وَلَا امْرَأَةٍ) التَّقَدُّمُ حَقُّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ (وَلَا أَعْمَى وَلَا مُقْعَدٍ وَلَا أَقْطَعَ لِعَجْزِهِمْ، فَإِنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ عَلَى بَلَدٍ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ الدَّفْعُ تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَالْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى) لِأَنَّهُ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ وَرِقُ النِّكَاحِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ النَّفِيرِ؛ لِأَنَّ بِغَيْرِهِمَا مَقْنَعًا فَلَا ضَرُورَةَ إلَى
لَا عُمُومُ الْمُكَلَّفِينَ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فَقَطْ فَالْمُرَادُ إطْلَاقُ الْعُمُومَاتِ فِي بَدَاءَتِهِمْ وَعَدَمِهَا خِلَافًا لِمَا نُقِلَ عَنْ الثَّوْرِيِّ. وَالزَّمَانُ الْخَاصُّ كَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَغَيْرِهَا خِلَافًا لِعَطَاءٍ، وَلَقَدْ اُسْتُبْعِدَ مَا عَنْ الثَّوْرِيِّ وَتَمَسُّكُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾ فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ نَسْخُهُ.
وَصَرِيحُ قَوْلِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» الْحَدِيثَ يُوجِبُ أَنْ نَبْدَأَهُمْ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ، وَحَاصَرَ ﷺ الطَّائِفَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ إلَى آخِرِ الْمُحَرَّمِ أَوْ إلَى شَهْرٍ.
وَقَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى نَسْخِ الْحُرْمَةِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى التَّجَوُّزِ بِلَفْظِ حَيْثُ فِي الزَّمَانِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَثُرَ فِي الِاسْتِعْمَالِ
(قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ الْجِهَادُ عَلَى صَبِيٍّ إلَخْ) الْوَجْهُ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «عُرِضْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعِ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي فِي الْمُقَاتِلَةِ» الْحَدِيثَ (وَلَا عَبْدٍ وَلَا امْرَأَةٍ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ) بِإِذْنِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى حَقِّهِ.
وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ حَقٌّ مُتَعَيَّنٌ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ الْعَبْدِ وَتِلْكَ الْمَرْأَةِ، فَلَوْ تَعَلَّقَ بِهِمَا الْجِهَادُ لَزِمَ إطْلَاقُ فِعْلِهِ لَهُمَا، وَإِطْلَاقُهُ يَسْتَلْزِمُ إطْلَاقَ تَرْكِ حَقِّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ، فَلَوْ تَعَلَّقَ بِهِمْ لَزِمَهُ إبْطَالُ حَقٍّ جَعَلَهُ اللَّهُ مُتَعَيِّنًا لِحَقٍّ لَمْ يَجْعَلْهُ مُتَعَيَّنًا عَلَيْهِ، وَهَذَا اللَّازِمُ بَاطِلٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَكُونُونَ مَخْصُوصِينَ مِنْ الْعُمُومَاتِ لِدَلِيلٍ مُقَارِنٍ وَهُوَ الْعَقْلُ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَارَ فَرْضُ عَيْنٍ؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ.
نَعَمْ لَوْ أَمَرَ السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ بِالْقِتَالِ يَجِبُ أَنْ يَصِيرَ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَلَا نَقُولُ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ لِوُجُوبِ طَاعَةِ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ حَتَّى إذَا لَمْ يُقَاتِلْ فِي غَيْرِ النَّفِيرِ الْعَامِّ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّ طَاعَتَهُمَا الْمَفْرُوضَةَ عَلَيْهِمَا فِي غَيْرِ مَا فِيهِ الْمُخَاطَرَةُ بِالرُّوحِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ بِخِطَابِ الرَّبِّ ﷻ بِذَلِكَ، وَالْفَرْضُ انْتِفَاؤُهُ عَنْهُمْ قَبْلَ النَّفِيرِ الْعَامِّ، وَعَنْ هَذَا حَرُمَ الْخُرُوجُ إلَى الْجِهَادِ وَأَحَدُ الْأَبَوَيْنِ كَارِهٌ لِأَنَّ طَاعَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِهَادُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا مَعَ أَنَّ فِي خُصُوصِهِ أَحَادِيثَ مِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَاسْتَأْذَنَهُ، فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاك؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» وَقَدَّمْنَا مِنْ صَحِيحِهِ آنِفًا حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute