قَالَ (فَإِنْ أَبَوْا ذَلِكَ اسْتَعَانُوا بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ وَحَارَبُوهُمْ) لِقَوْلِهِ ﵊ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ «فَإِنَّ أَبَوْا ذَلِكَ فَادْعُهُمْ إلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، إلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ أَبَوْهَا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ وَقَاتِلْهُمْ» وَلِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ النَّاصِرُ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْمُدَمِّرُ عَلَى أَعْدَائِهِ فَيُسْتَعَانُ بِهِ فِي كُلِّ الْأُمُورِ.
قَالَ (وَنَصَبُوا عَلَيْهِمْ الْمَجَانِيقَ) كَمَا نَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﵊ عَلَى الطَّائِفِ (وَحَرَّقُوهُمْ) لِأَنَّهُ ﵊ أَحْرَقَ الْبُوَيْرَةَ.
قَالَ (وَأَرْسَلُوا عَلَيْهِمْ الْمَاءَ وَقَطَّعُوا أَشْجَارَهُمْ وَأَفْسَدُوا زُرُوعَهُمْ) لِأَنَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلْحَاقَ الْكَبْتِ وَالْغَيْظِ بِهِمْ وَكَسْرَةَ شَوْكَتِهِمْ وَتَفْرِيقَ جَمْعِهِمْ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا، (وَلَا بَأْسَ بِرَمْيِهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ) لِأَنَّ فِي الرَّمْيِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِالذَّبِّ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ، وَقَتْلُ الْأَسِيرِ وَالتَّاجِرِ ضَرَرٌ خَاصٌّ،
وَمَعْنَى حَدِيثِ عَلِيٍّ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ، أَنْبَأَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ الْأَسَدِيِّ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي الْجَنُوبِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ مَنْ كَانَتْ لَهُ ذِمَّتُنَا فَدَمُهُ كَدَمِنَا وَدِينُهُ كَدِينِنَا وَضَعَّفَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَبَا الْجَنُوبِ
(قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَوْا ذَلِكَ اسْتَعَانُوا عَلَيْهِمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَحَارَبُوهُمْ لِقَوْلِهِ ﷺ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ «فَإِنْ أَبَوْا ذَلِكَ فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ وَقَاتِلْهُمْ») وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِطُولِهِ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ. وَالْمُدَمِّرُ الْمُهْلِكُ (فَيُسْتَعَانُ بِاَللَّهِ فِي كُلِّ الْأُمُورِ، وَنَصَبُوا عَلَيْهِمْ الْمَجَانِيقَ كَمَا نَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ) عَلَى مَا فِي التِّرْمِذِيِّ مُفَصَّلًا فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى الطَّائِفِ، قُلْت: لِوَكِيعٍ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ فَقَالَ: صَاحِبُكُمْ عُمَرُ بْنُ هَارُونَ».
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ مَكْحُولٍ مُرْسَلًا، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ، وَزَادَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي، وَذَكَرَ أَنَّ الَّذِي أَشَارَ بِهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَحَرَّقَهُمْ لِأَنَّهُ ﵊ «أَحْرَقَ الْبُوَيْرَةَ» عَلَى مَا رَوَى السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَّعَهُ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ»: يَعْنِي أَنَّ الْبُوَيْرَةَ اسْمٌ لِنَخْلِ بَنِي النَّضِيرِ، وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ
وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ … حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ
وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَبْتُ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَكَسْرُ شَوْكَتِهِمْ وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ ذَلِكَ فَيَفْعَلُونَ مَا يُمْكِنُهُمْ مِنْ التَّحْرِيقِ وَقَطْعِ الْأَشْجَارِ وَإِفْسَادِ الزَّرْعِ، هَذَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ مَأْخُوذُونَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ مَغْلُوبُونَ وَأَنَّ الْفَتْحَ بَادٍ كُرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَمَا أُبِيحَ إلَّا لَهَا (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِرَمْيِهِمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ) بَلْ وَلَوْ تَتَرَّسُوا بِأُسَارَى الْمُسْلِمِينَ وَصِبْيَانِهِمْ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُمْ إنْ كَفُّوا عَنْ رَمْيِهِمْ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِرَمْيِهِمْ إلَّا الْكُفَّارُ.
فَإِنْ أُصِيبَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute