لِأَنَّ الْمُبِيحَ عِنْدَهُ الْكُفْرُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا، وَقَدَّ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ نَهَى عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ وَالذَّرَارِيِّ» «وَحِينَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ امْرَأَةً مَقْتُولَةٌ قَالَ: هَاهْ، مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ فَلِمَ قُتِلَتْ؟» قَالَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَهُ رَأْيٌ فِي الْحَرْبِ أَوْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَلِكَةً) لِتَعَدِّي ضَرَرِهَا إلَى الْعِبَادِ، وَكَذَا يُقْتَلُ مَنْ
فَقَالَ: اُنْظُرْ عَلَامَ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ؟ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: امْرَأَةٌ قَتِيلٌ، فَقَالَ: مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ، وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَبَعَثَ رَجُلًا فَقَالَ: قُلْ لِخَالِدٍ لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا» وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْمُغِيرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْمُرَقَّعِ، وَكَذَا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَفِي لَفْظِهِ فَقَالَ «هَاهْ مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ» ثُمَّ قَالَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ فَصَارَ الْحَدِيثُ صَحِيحًا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
وَهَاهْ كَلِمَةُ زَجْرٍ، وَالْهَاءُ الثَّانِيَةُ لِلسَّكْتِ. وَإِذَا ثَبَتَ فَقَدْ عَلَّلَ الْقَتْلَ بِالْمُقَاتِلَةِ فِي قَوْلِهِ «مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ» فَثَبَتَ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ مَعْلُولٌ بِالْحِرَابَةِ فَلَزِمَ قَتْلُ مَا كَانَ مَظِنَّةً لَهُ، بِخِلَافِ مَا لَيْسَ إيَّاهُ، وَبِمَنْعِ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ أَوْ يَابِسِ الشِّقِّ وَنَحْوِهِ يَبْطُلُ كَوْنُ الْكُفْرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كُفْرٌ عِلَّةً أُخْرَى، وَإِلَّا لَقُتِلَ هَؤُلَاءِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَالْحَجَّةُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الشَّافِعِيِّ (مَا بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي مِنْ عَدَمِ قَتْلِ يَابِسِ الشِّقِّ، لَكِنْ هَذَا الْإِلْزَامُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَهُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ وَفِي الشُّيُوخِ وَالْعُمْيَانِ وَالضُّعَفَاءِ وَالزَّمْنَى وَمَقْطُوعِي الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ قَوْلَانِ: فِي قَوْلٍ يَجُوزُ قَتْلَهُمْ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لِعُمُومِ ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ وَرُوِيَ عَنْهُ ﵊ «اُقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ» وَلِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ وَالْكُفْرُ مُبِيحٌ لِلْقَتْلِ.
وَفِي قَوْلٍ لَا يَجُوزُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَذَكَرَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَانِعِ مِنْ قَتْلِ الشَّيْخِ الْفَانِي.
قَالَ: وَالْمُقْعَدُ وَالزَّمِنِ وَمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ وَالرَّجُلَيْنِ فِي مَعْنَاهُ.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَوْصَى يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الشَّامِ فَقَالَ: " لَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا النِّسَاءَ وَلَا الشُّيُوخَ " الْخَبَرَ انْتَهَى. وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِالذِّمِّيِّ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَجَازَ تَخْصِيصُ الشَّيْخِ الْفَانِي، وَمَنْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بِالْقِيَاسِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ خَبَرٌ فَكَيْفَ وَفِيهِمْ مَا سَمِعْت، بَلْ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ النُّصُوصَ مُقَيَّدَةٌ ابْتِدَاءً بِالْمُحَارِبِينَ عَلَى مَا تَرْجِعُ إلَيْهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الشُّيُوخِ فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِالِانْقِطَاعِ عِنْدَهُمْ وَبِالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَلَوْ سُلِّمَ فَيَجِبُ تَخْصِيصُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَلَى أُصُولِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ صَحَّ أَنَّهُ ﵊ «نَهَى عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ وَالذَّرَارِيِّ» فَالْمُرَادُ بِالذَّرَارِيِّ النِّسَاءُ مِنْ اسْمِ السَّبَبِ فِي الْمُسَبَّبِ.
قَالَ فِي الْعُرَنِيِّينَ: وَفِي الْحَدِيثِ «لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً وَلَا عَسِيفًا» أَيْ امْرَأَةً وَلَا أَجِيرًا، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالشَّيْخِ الْفَانِي الَّذِي لَا يَقْتُلُ هُوَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا الصِّيَاحِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَلَا عَلَى الْإِحْبَالِ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ الْوَلَدُ فَيَكْثُرُ مُحَارِبُ الْمُسْلِمِينَ، ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي كِتَابِ الْمُرْتَدِّ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَامِلَ الْعَقْلِ نَقْتُلُهُ وَمِثْلُهُ نَقْتُلُهُ إذَا ارْتَدَّ، وَاَلَّذِي لَا نَقْتُلُهُ الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي خَرِفَ وَزَالَ عَنْ حُدُودِ الْعُقَلَاءِ وَالْمُمَيَّزِينَ فَهَذَا حِينَئِذٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ فَلَا نَقْتُلُهُ وَلَا إذَا ارْتَدَّ. قَالَ: وَأَمَّا الزَّمْنَى فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الشُّيُوخِ فَيَجُوزُ قَتَلَهُمْ إذَا رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ كَمَا يَقْتُلُ سَائِرَ النَّاسِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا عُقَلَاءَ وَنَقْتُلُهُمْ أَيْضًا إذَا ارْتَدُّوا اهـ. وَلَا نَقْتُلُ مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُمْنَى وَالْمَقْطُوعَ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ، وَنَقْتُلُ أَقْطَعَ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ حُكْمِ عَدَمِ الْقَتْلِ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا لِأَحَدٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute