وَمَدَّ يَدَهُ عَرْضًا».
(وَالْمُسَافِرُ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ) لِقَوْلِهِ ﵊ لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ ﵄ «إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا»
قَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: اسْتَيْقَظْتُ وَأَنَا وَسْنَانُ فَظَنَنْتُ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُنَادِيَ عَلَى نَفْسِهِ: أَلَا إنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ» وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ قَالُوا لَهُ اتَّقِ اللَّهَ وَأَعِدْ أَذَانَك وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعَادَةَ الْفَاشِيَةَ عِنْدَهُمْ إنْكَارُ الْأَذَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ، فَثَبَتَ أَنَّ أَذَانَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ قَدْ وَقَعَ، وَأَنَّهُ ﷺ غَضِبَ عَلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِالنِّدَاءِ عَلَى نَفْسِهِ وَنَهَاهُ عَنْ مِثْلِهِ، فَيَجِبُ حَمْلُ مَا رَوَوْهُ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ النِّدَاءِ عَلَيْهِ: يَعْنِي لَا تَعْتَمِدُوا عَلَى أَذَانِهِ فَإِنَّهُ يُخْطِئُ فَيُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ تَحْرِيضًا لَهُ عَلَى الِاحْتِرَاسِ عَنْ مِثْلِهِ، وَإِمَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَذَانِ التَّسْحِيرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا كَانَ فِي رَمَضَانَ كَمَا قَالَهُ فِي الْإِمَامِ فَلِذَا قَالَ «فَكُلُوا وَاشْرَبُوا» أَوْ التَّذْكِيرُ الَّذِي يُسَمَّى فِي هَذَا الزَّمَانِ بِالتَّسْبِيحِ لِيُوقِظَ النَّائِمَ وَيُرَجِّعَ الْقَائِمُ، كَمَا قِيلَ: إنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا حِزْبَيْنِ: حِزْبًا يَجْتَهِدُونَ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ، وَحِزْبًا فِي الْأَخِيرِ، وَكَانَ الْفَاصِلُ عِنْدَهُمْ أَذَانُ بِلَالٍ ﵁، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْهُ ﷺ «لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ لِيُوقِظَ نَائِمَكُمْ وَيَرْقُدَ قَائِمُكُمْ» وَقَدْ رَوَى أَبُو الشَّيْخِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: مَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ
(قَوْلُهُ لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ) الصَّوَابُ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ وَابْنُ عَمٍّ لَهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنَّفُ فِي الصَّرْفِ عَلَى الصَّوَابِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ وَالْمَحْبُوبِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ «مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي، فَلَمَّا أَرَدْنَا الِانْتِقَالَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَنَا: إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ «أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي» فَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلْمُرَادِ بِالصَّاحِبِ. وَإِذَا كَانَ هَذَا الْخِطَابُ لَهُمَا وَلَا حَاجَةَ لَهُمَا مُتَرَافِقَيْنِ إلَى اسْتِحْضَارِ أَحَدٍ عُلِمَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ أَيْضًا يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ. وَقَدْ وَرَدَ فِي خُصُوصِ الْمُنْفَرِدِ أَحَادِيثُ فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ وَيُصَلِّي فَيَقُولُ اللَّهُ ﷿: اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ لِلصَّلَاةِ يَخَافُ مِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ» وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَلْيَتَوَضَّأْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً فَلْيَتَيَمَّمْ، فَإِنْ أَقَامَ صَلَّى مَعَهُ مَلَكَانِ، وَإِنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ صَلَّى خَلْفَهُ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ مَا لَا يَرَى طَرْفَاهُ» رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. وَبِهَذَا وَنَحْوِهِ عُرِفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْإِعْلَامِ بَلْ كُلٌّ مِنْهُ وَمِنْ الْإِعْلَانِ بِهَذَا الذِّكْرِ نَشْرٌ لِذَكَرِ اللَّهِ وَدِينِهِ فِي أَرْضِهِ وَتَذْكِيرٌ لِعِبَادِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute