وَالْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ إذَا صَلُحَ سَبَبًا لِكَرَامَةٍ تَفُوقُ الْمِلْكَ وَهُوَ الثَّوَابُ الْآجِلُ فَمَا ظَنُّك بِالْمِلْكِ الْعَاجِلِ؟.
الْعِصْمَةَ وَمُكْنَةَ الِانْتِفَاعِ ثَابِتَةٌ مَعَ اتِّحَادِ الدَّارِ وَالْمِلَّةِ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَزُولُ الْمِلْكُ بِالشَّكِّ.
ثُمَّ أَجَابَ عَنْ قَوْلِهِ: الْمَحْظُورُ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ. فَقَالَ: ذَاكَ فِي الْمَحْظُورِ لِنَفْسِهِ (أَمَّا الْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ فَلَا فَإِنَّا وَجَدْنَاهُ صَلُحَ سَبَبًا لِكَرَامَةٍ تَفُوقُ الْمِلْكَ وَهُوَ الثَّوَابُ) كَمَا فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (فَمَا ظَنُّك بِالْمِلْكِ الدُّنْيَوِيِّ) وَالْقِيَاسُ عَلَى اسْتِيلَائِهِمْ عَلَى رِقَابِنَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَالًا، وَكَذَا عَلَى غَصْبِ الْمُسْلِمِ مَالَ الْمُسْلِمِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إحْرَازٌ يُزِيلُ الْمِلْكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْبَاغِي. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْعِصْمَةَ إنْ أُزِيلَتْ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِهِمْ لَا يَكُونُ الِاسْتِيلَاءُ مَحْظُورًا لِيَحْتَاجَ إلَى هَذَا الْكَلَامِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ زَالَتْ لَمْ تَصِرْ مِلْكًا لَهُمْ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْعِصْمَةَ الْمُؤْثِمَةَ بَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا بِالْإِسْلَامِ، وَالْمُقَوَّمَةَ زَالَتْ؛ لِأَنَّهَا بِالدَّارِ. وَقَدْ يُقَالُ إنْ كَانَ الْمِلْكُ زَالَ تَبَعًا لِزَوَالِ الْقِيمَةِ صَارَ مُبَاحًا وَعَادَ الْأَوَّلُ، وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ لَزِمَ الثَّانِي فَالْمَدَارُ الْإِبَاحَةُ وَعَدَمُهَا. ثُمَّ الْوَجْهُ أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ أَنَّهُ مَحْظُورٌ لِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ إنْ أُرِيدَ بِهِ ابْتِدَاءُ الْأَخْذِ أَوْ إدْخَالُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَجِبُ كَوْنُهُ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ وَهُوَ قَبِيحٌ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُحَرَّمٌ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ تَحْرِيمُ الْغَصْبِ؛ لِقِيَامِ مِلْكِ الْغَيْرِ فَهُوَ قَبِيحٌ لِنَفْسِهِ عَلَى مَا عُرِفَ، كَذَا أُورِدَ فِي الْأُصُولِ عَلَى كَوْنِ الْغَصْبِ يُفِيدُ الْمِلْكَ ذَلِكَ. أُجِيبُ بِأَنَّ الْمُفِيدَ لَهُ هُوَ الضَّمَانُ عَلَى مَا فِي تَوْجِيهِهِ مِنْ الْكَلَامِ، بَلْ نَقُولُ: لَيْسَ الِاسْتِيلَاءُ الْأَوَّلُ سَبَبًا لِمِلْكِهِ وَلَا الْإِدْخَالُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، بَلْ الْإِدْخَالُ سَبَبُ زَوَالِ مُكْنَةِ الِانْتِفَاعِ وَزَوَالُ مُكْنَةُ الِانْتِفَاعِ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ، وَهُوَ لَا يَتَّصِفُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَفْعَالِ. ثُمَّ الِاسْتِيلَاءُ الْكَائِنُ فِي الْبَقَاءِ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ الْمُبَاحِ سَبَبُ مِلْكِ الْكَافِرِ، وَهَذَا الِاسْتِيلَاءُ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ، وَإِبَاحَتُهُ مُسَبَّبَةٌ عَمَّا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، وَهُوَ زَوَالُ الْمُكْنَةِ، فَأَمَّا الْأَخْذُ وَمَا يَلِيهِ فَأَسْبَابٌ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا، فَكَانَ الْوَجْهُ مَنْعَ أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ هُنَا مَحْظُورٌ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ بَلْ هُوَ أَمْرٌ مُبَاحٌ.
وَالسَّبَبُ الْبَعِيدُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمُسَبَّبِ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ غَيْرِهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ الْبَعِيدَةَ لَا أَثَرَ لَهَا فِي الْمَعْلُولِ، بِخِلَافِ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَعْقِبُ إبَاحَةً أَصْلًا. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ فِي التَّقْرِيرِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مَحْظُورٍ مَعْصُومٍ؛ لِأَنَّ اسْتِيلَاءَهُمْ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ وَبَعْدَهُ ارْتَفَعَتْ الْعِصْمَةُ فَوَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ، كَمَالِ الْمُسْلِمِ ثَمَّةَ إذَا لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا يَقْتَضِي أَنَّ مَالَهُ مُبَاحٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَالُهُ مَعْصُومٌ عَلَيْهِ غَيْرُ الْعَقَارِ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute