فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ.
(وَإِذَا أَسْلَمَ عَبْدٌ لِحَرْبِيٍّ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا أَوْ ظُهِرَ عَلَى الدَّارِ فَهُوَ حُرٌّ، وَكَذَلِكَ إذَا خَرَجَ عَبِيدُهُمْ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ أَحْرَارٌ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَبِيدًا مِنْ عَبِيدِ الطَّائِفِ أَسْلَمُوا وَخَرَجُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَضَى بِعِتْقِهِمْ وَقَالَ: هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ» وَلِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ بِالْخُرُوجِ إلَيْنَا مُرَاغِمًا لِمَوْلَاهُ أَوْ بِالِالْتِحَاقِ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ، إذَا ظُهِرَ عَلَى الدَّارِ، وَاعْتِبَارُ يَدِهِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ يَدِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهَا أَسْبَقُ ثُبُوتًا عَلَى نَفْسِهِ،
عَلَى الْحَرْبِيِّ حِينَ أَحْرَزَهُ أَبْطَلْنَا حَقَّ اسْتِرْدَادِ الْمُسْلِمِ إيَّاهُ إلَى رِقِّهِ جَبْرًا فَكَانَ ذَلِكَ مَانِعًا لِلْمُقْتَضِي عَنْ عَمَلِهِ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ) لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ لَا يُفَرَّقُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ وَلَمْ يَهْرُبْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ حَتَّى اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَوْ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ يُعْتَقُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَعْتَمِدُ زَوَالَ الْقَهْرِ الْخَاصِّ وَقَدْ عُدِمَ إذْ زَالَ قَهْرُهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ. وَلَهُ أَنَّ قَهْرَهُ زَالَ حَقِيقَةً بِالْبَيْعِ، وَكَانَ إسْلَامُهُ يُوجِبُ إزَالَةَ قَهْرِهِ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ الْخِطَابُ بِالْإِزَالَةِ فَأُقِيمَ مَا لَهُ أَثَرٌ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ مَقَامَ الْإِزَالَةِ وَهُوَ الْبَيْعُ
(قَوْلُهُ: وَإِذَا أَسْلَمَ عَبْدٌ لِحَرْبِيٍّ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا أَوْ) أَسْلَمَ وَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى (ظُهِرَ عَلَى الدَّارِ فَهُوَ حُرٌّ، وَكَذَا إذَا خَرَجَ عَبِيدٌ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ) مُسْلِمِينَ، وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ (لِمَا رَوَى) أَبُو دَاوُد مُسْنَدًا إلَى عَلِيٍّ قَالَ: «خَرَجَ عَبْدَانِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ الصُّلْحِ فَكَتَبَ مَوَالِيهمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ مَا خَرَجُوا رَغْبَةً فِي دِينِك، وَإِنَّمَا خَرَجُوا هَرَبًا مِنْ الرِّقِّ، فَقَالَ نَاسٌ: صَدَقُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رُدَّهُمْ عَلَيْهِمْ. فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَفِيهِ فَقَالَ: هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ» وَفِيهِ أَحَادِيثُ قَدَّمْنَاهَا، وَمِنْهَا إسْلَامُ عَبِيدِ الطَّائِفِ، وَمِنْهُمْ أَبُو بَكْرَةَ وَالْمُنْبَعِثُ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ فَلْيُرْجَعْ إلَيْهَا فَهَذَا دَلِيلُ عِتْقِهِمْ إذَا خَرَجُوا مُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا عِتْقُهُمْ إذَا ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ فَلِأَنَّهُ لَمَّا الْتَحَقَ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ صَارَ كَأَنَّهُ خَرَجَ إلَيْهِمْ فِي أَنَّهُ امْتَنَعَ بِهِمْ. وَقَوْلُهُ: (وَاعْتِبَارُ يَدِهِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّهُ لَمْ يُعْتَقْ بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا عَرَضُهُ لِلْبَيْعِ فَبَاعَهُ، فَقَدْ وَرَدَتْ يَدُ الْغَانِمِينَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُنَافِي اسْتِرْقَاقَهُمْ. أَجَابَ أَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا لَمْ تَظْهَرْ لِحَقِّ الْمَوْلَى لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ. ثُمَّ هِيَ أَسْبَقُ مِنْ يَدِ الْمُسْلِمِينَ، أَمَّا فِي الْمَوْلَى الْكَافِرِ فَيَسْتَحِقُّ الْحُكْمَ بِعِتْقِهِ تَخْلِيصًا لِلْمُسْلِمِ مِنْ إذْلَالِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ أَصْلِ الْيَدِ لَا يَكْفِي مَا لَمْ يَتَأَكَّدْ إذْ لَا قُدْرَةَ بِدُونِهِ فَكَانَتْ مَنَعَةُ الْغَانِمِينَ هِيَ الْمُؤَكِّدَةُ لَهَا فَيُعْتَقُ. هَذَا وَلَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا وَلَمْ يُظْهَرْ عَلَى الدَّارِ فَهُوَ رَقِيقٌ إلَى أَنْ يَشْتَرِيَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فَيُعْتَقَ. قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَثْبُتُ وَلَاءٌ: أَيْ لَا يَثْبُتُ وَلَاءُ الْعَبْدِ الْخَارِجِ إلَيْنَا مُسْلِمًا لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا عِتْقٌ حُكْمِيٌّ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا وَلَمْ يُظْهَرْ عَلَى الدَّارِ لَمْ يُعْتَقْ إلَّا إذَا عَرَضَهُ الْمَوْلَى عَلَى الْبَيْعِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ فَحِينَئِذٍ يُعْتَقُ الْعَبْدُ قَبِلَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ اسْتَحَقَّ حَقَّ الْإِعْتَاقِ بِالْإِسْلَامِ لَكِنَّا نَحْتَاجُ إلَى سَبَبٍ آخَرَ؛ لِيَزُولَ بِهِ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَلَمَّا عَرَضَهُ فَقَدْ رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ، وَقَيْدُ الْمُرَاغَمَةِ يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا لَوْ خَرَجَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ بِأَمْرِهِ لِحَاجَتِهِ، فَإِنَّهُ إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute