للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّهَا تَخْرُجُ لِحَاجَةِ مَوْلَاهَا فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا عَادَةً فَاعْتُبِرَ حَالُهَا بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الرِّجَالِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ.

قَالَ (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ صَلَّى مَعَهَا وَلَمْ يَعُدْ) وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ رُبْعُ الثَّوْبِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ طَاهِرًا يُصَلِّي فِيهِ وَلَوْ صَلَّى عُرْيَانًا لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ رُبْعَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ الطَّاهِرُ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ تَرْكَ فَرْضٍ وَاحِدٍ. وَفِي الصَّلَاةِ عُرْيَانًا تَرْكَ الْفُرُوضِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَانِعُ جَوَازِ الصَّلَاةِ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ، وَيَسْتَوِيَانِ فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ،

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْآثَارُ عَنْ عُمَرَ بِذَلِكَ صَحِيحَةٌ، وَأَمَّا نَصُّ مَا فِي الْكِتَابِ فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِهِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهَا تَخْرُجُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمُسْقِطَ لِحُكْمِ الْعَوْرَةِ حَتَّى تَبِعَتْهُ هِيَ فِي السُّقُوطِ الْحَرَجُ اللَّازِمُ مِنْ إعْطَاءِ بَدَنِهَا كُلِّهِ حُكْمَ الْعَوْرَةِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى خُرُوجِهَا وَمُبَاشَرَتِهَا الْأَعْمَالَ الْمُوجِبَةَ لِلْمُخَالَطَةِ فَسَقَطَ الْحَاجِي وَهُوَ مَا سِوَى الْبَطْنِ وَالظَّهْرِ إلَى الرُّكْبَةِ، لِأَنَّ تِلْكَ الْمُبَاشَرَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ كَشْفَ غَيْرِهِ عَادَةً لِيَسْقُطَ مِنْهُ، بِخِلَافِهِ هُوَ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمُكَاتَبَةُ كَالْأَمَةِ وَلَوْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَنَحْوِهِ فَسَتَرَتْهُ بِعَمَلٍ قَلِيلٍ قَبْلَ أَدَاءِ رُكْنٍ جَازَتْ لَا بِكَثِيرٍ أَوْ بَعْدَ رُكْنٍ (قَوْلُهُ فِي حَقِّ جَمِيعِ الرِّجَالِ) يَعْنِي غَيْرَ السَّيِّدِ.

(قَوْلُهُ مَا يُزِيلُ بِهِ) وَكَذَا مَا يُقَلِّلُهَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ مَا يَكْفِي بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ دُونَ الْكُلِّ حَيْثُ يُبَاحُ التَّيَمُّمُ. دُونَ اسْتِعْمَالِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ تَرْكُ الْفُرُوضِ) أَيْ بِتَقْدِيرِ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا، أَمَّا لَوْ صَلَّى قَائِمًا لَا يَسْتَقِيمُ.

قَالَ فِي الْأَسْرَارِ مِنْ طَرَفِ مُحَمَّدٍ : خِطَابُ التَّطْهِيرِ سَاقِطٌ لِعَدَمِ الْمَاءِ فَصَارَ هَذَا كَثَوْبٍ طَاهِرٍ، وَلِأَنَّ رُبْعَهُ لَوْ كَانَ طَاهِرًا لَا تَجُوزُ إلَّا فِيهِ فَكَذَا هُنَا لِأَنَّ نَجَاسَةَ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ فِي فَسَادِ الصَّلَاةِ كَنَجَاسَةِ كُلِّهِ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ. قُلْت: خِطَابُ السَّتْرِ لِلصَّلَاةِ سَاقِطٌ لِلنَّجَاسَةِ فَصَارَ الْعَرَاءُ كَالسَّتْرِ، وَإِذَا كَانَ الرُّبْعُ طَاهِرًا تَوَجَّهَ الْخِطَابُ بِقَدْرٍ وَسَقَطَ بِقَدْرِ النَّجَسِ فَرَجَّحْنَا الْوُجُوبَ احْتِيَاطًا.

قَالَ: وَلَكِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ عُورِضَ بِسُقُوطِ خِطَابِ السَّتْرِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَعْلُومَ إنَّمَا هُوَ تَوَجُّهُ خِطَابِ السَّتْرِ لِلصَّلَاةِ بِالطَّاهِرِ حَالَةَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُطَهِّرِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ فَالْمَعْلُومُ حِينَئِذٍ انْتِفَاءُ خِطَابِ السَّتْرِ لِلصَّلَاةِ بِالطَّاهِرِ وَلَا نَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ تَعَلُّقِهِ بِالنَّجَسِ حِينَئِذٍ إلَّا بِنَقْلِ خِطَابٍ مَخْصُوصٍ فِيهِ وَلَا نَقْلَ فَيَبْقَى عَلَى النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ لِأَنَّ نَفْيَ الْمُدْرَكِ الشَّرْعِيِّ يَكْفِي لِنَفْيِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الرُّبْعُ طَاهِرًا فَلِأَنَّهُ كَالْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَأَمْكَنَ الْحُكْمُ بِتَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِالسَّتْرِ بِهِ (قَوْلُهُ وَيَسْتَوِيَانِ فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ) هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ فِي النَّجَاسَةِ الْخَفِيفَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>