للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ وَلِهَذَا تُسَمَّى جِزْيَةً وَهِيَ وَالْجَزَاءُ وَاحِدٌ، وَعُقُوبَةُ الْكُفْرِ تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَلَا تُقَامُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلِأَنَّ شَرْعَ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا لَا يَكُونُ إلَّا لِدَفْعِ الشَّرِّ وَقَدْ انْدَفَعَ بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَامِ؛ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ فِي حَقِّنَا وَقَدْ قَدَرَ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. وَالْعِصْمَةُ تَثْبُتُ بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا وَالذِّمِّيُّ يَسْكُنُ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا

فَإِنْ عُقِلَتْ حِكْمَةٌ فَذَاكَ وَإِلَّا وَجَبَ الِاتِّبَاعُ. عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ خَرَاجِ الْأَرْضِ وَالْجِزْيَةِ وَاضِحٌ إذْ لَا إذْلَالَ فِي خَرَاجِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ كَيْ تَبْقَى فِي أَيْدِينَا، وَالْمُسْلِمُ مِمَّنْ يَسْعَى فِي بَقَائِهَا لِلْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهَا ذُلٌّ ظَاهِرٌ وَشَنَارٌ. وَأَمَّا الِاسْتِرْقَاقُ؛ فَلِأَنَّ إسْلَامَهُ بَعْدَ تَعَلُّقِ مِلْكِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ بِرَقَبَتِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الْمُسْتَحِقِّ الْمُعَيَّنِ. بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا مِلْكُ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ بَلْ اسْتِحْقَاقٌ لِلْعُمُومِ، وَالْحَقُّ الْخَاصُّ فَضْلًا عَنْ الْعَامِّ لَيْسَ كَالْمِلْكِ الْخَاصِّ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهَا)، أَيْ الْجِزْيَةَ إنَّمَا (وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ جِزْيَةً وَهِيَ وَالْجَزَاءُ وَاحِدٌ) وَهُوَ يُقَالُ عَلَى الثَّوَابِ بِسَبَبِ الطَّاعَةِ وَالْعُقُوبَةِ بِسَبَبِ الْمَعْصِيَةِ، وَلَا شَكَّ فِي انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ، وَلِذَا أُخِذَتْ بِطَرِيقِ الْإِذْلَالِ بَلْ هَذَا ضَرُورِيٌّ مِنْ الدِّينِ فَتَعَيَّنَ أَنَّهَا عُقُوبَةٌ عَلَى مَعْصِيَةِ الْكُفْرِ دُنْيَوِيَّةٌ لَا بَدَلُ مُعَاوَضَةٍ كَمَا ظَنَّهُ.

(فَتَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَلَا تُقَامُ بَعْدَ الْمَوْتِ) وَلِهَذَا لَا يُضْرَبُ مَنْ سَبَقَ مَوْتُهُ إقَامَةَ حَدٍّ ثَبَتَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْعُقُوبَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِدَفْعِ شَرِّهِ فِي الدُّنْيَا بِحَسَبِ مَا يَكُونُ ذَلِكَ الشَّرُّ، وَالشَّرُّ الَّذِي يُتَوَقَّعُ بِسَبَبِ الْكُفْرِ الْحِرَابَةُ وَالْفِتْنَةُ عَنْ الدِّينِ الْحَقِّ (وَقَدْ انْدَفَعَ بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَامِ) وَهَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَهَا بَدَلًا: أَيْ خَلَفًا عَنْ النُّصْرَةِ لَنَا فَكَانَتْ عُقُوبَةً دُنْيَوِيَّةً عَلَى كُفْرِهِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِحِرَابَتِهِ دَفْعًا لَهَا بِإِضْعَافِهِ بِأَخْذِهَا مِنْهُ وَبَدَلًا عَنْ نُصْرَتِهِ الْفَائِتَةِ بِكُفْرِهِ، وَإِذَا كَانَتْ خَلَفًا أَيْضًا عَنْ النُّصْرَةِ انْتَفَتْ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلَفِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ، وَقَدْ قَدَرَ عَلَيْهَا بِالْإِسْلَامِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّهَا بَدَلٌ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>