للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَيْفِيَّةُ تَوْبَتِهِ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا سِوَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا دِينَ لَهُ، وَلَوْ تَبَرَّأَ عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ كَفَاهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ.

الَّتِي ذَكَرْنَاهَا (وَكَيْفِيَّةُ تَوْبَتِهِ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا سِوَى دِينِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا دِينَ لَهُ) قِيلَ هُوَ أَنْ يَقُولَ تُبْتُ وَرَجَعْتُ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ. قِيلَ لَكِنْ هَذَا بَعْدَ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَالْإِقْرَارُ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ مُسْتَحَبٌّ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. (وَلَوْ تَبَرَّأَ عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ كَفَاهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ) وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: سُئِلَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ الرَّجُلِ كَيْفَ يُسْلِمُ؟ فَقَالَ: يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَيُقِرُّ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَيَتَبَرَّأُ مِنْ الدِّينِ الَّذِي انْتَحَلَهُ، وَإِنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ: وَلَمْ أَدْخُلْ فِي هَذَا الدِّينِ قَطُّ وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ: أَيْ مِنْ الدِّينِ الَّذِي ارْتَدَّ إلَيْهِ فَهِيَ تَوْبَةٌ انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ: قَطُّ يُرِيدُ بِهِ مَعْنَى أَبَدًا؛ لِأَنَّ قَطُّ ظَرْفٌ لِمَا مَضَى لَا لِمَا يُسْتَقْبَلُ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: إسْلَامُ النَّصْرَانِيِّ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَيَتَبَرَّأَ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ، وَالْيَهُودِيُّ كَذَلِكَ يَتَبَرَّأُ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ، وَكَذَا فِي كُلِّ مِلَّةٍ. وَأَمَّا مُجَرَّدُ الشَّهَادَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ خُصُوصَ الرِّسَالَةِ إلَى الْعَرَبِ فَيُصَدِّقُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَا يَتِمُّ الْإِسْلَامُ بِهِ، هَذَا فِيمَنْ بَيْنَ أَظْهُرِنَا مِنْهُمْ. وَأَمَّا مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ فَقَالَ مُحَمَّدُ رَسُولُ اللَّهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ، أَوْ قَالَ دَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ دَلِيلُ إسْلَامِهِ، فَكَيْفَ إذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ضِيقًا. وَقَوْلُهُ هَذَا إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْإِسْلَامَ الَّذِي يَدْفَعُ عَنْهُ الْقَتْلَ الْحَاضِرَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيُحْكَمُ بِهِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَتَلْنَاهُ.

وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ ثَانِيًا قَبِلْنَا تَوْبَتَهُ أَيْضًا وَكَذَا ثَالِثًا وَرَابِعًا، إلَّا أَنَّ الْكَرْخِيَّ قَالَ: فَإِنْ عَادَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ فِي الْحَالِ وَلَا يُؤَجَّلُ، فَإِنْ تَابَ ضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ ثُمَّ يَحْبِسُهُ وَلَا يُخْرِجُهُ حَتَّى يَرَى عَلَيْهِ خُشُوعَ التَّوْبَةِ وَحَالَ الْمُخْلِصِ فَحِينَئِذٍ يُخَلِّي سَبِيلَهُ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ أَبَدًا مَا دَامَ يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ قَالَ الْكَرْخِيُّ: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُسْتَتَابُ أَبَدًا، وَمَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ مَرْوِيٌّ فِي النَّوَادِرِ قَالَ: إذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ يُضْرَبُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا ثُمَّ يُحْبَسُ إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَرُجُوعُهُ انْتَهَى. وَذَلِكَ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ : لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ مَنْ كَرَّرَ رِدَّتَهُ كَالزِّنْدِيقِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَاللَّيْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا﴾ الْآيَةَ. .

قُلْنَا: رَتَّبَ عَدَمَ الْمَغْفِرَةِ عَلَى شَرْطِ قَوْله تَعَالَى ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ وَفِي الدِّرَايَةِ قَالَ: فِي الزِّنْدِيقِ لَنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>