للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِنَادُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ لِوُجُودِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِنَادُ فِي كَسْبِ الرِّدَّةِ لِعَدَمِهِ قَبْلَهَا وَمِنْ شَرْطِهِ وُجُودُهُ، ثُمَّ إنَّمَا يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ حَالَةَ الرِّدَّةِ وَبَقِيَ وَارِثًا إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِلِاسْتِنَادِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ عِنْدَ الرِّدَّةِ، وَلَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ بِمَوْتِهِ بَلْ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْوَارِثِ عِنْدَ الْمَوْتِ

﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) مَا قَالَاهُ فِي وَجْهِ التَّوْرِيثِ إلَّا (أَنَّهُ إنَّمَا يُمْكِنُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ لِوُجُودِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ) وَهِيَ الْمَوْتُ فَيَسْتَنِدُ الْإِرْثُ إلَى مَا قَبْلَهُ. وَقَدْ قُلْت إنَّ بِمُجَرَّدِ رِدَّتِهِ زَالَ مِلْكُهُ، فَمَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ لَا يَقَعُ مَمْلُوكًا لَهُ لِيُمْكِنَ اسْتِنَادُ التَّوْرِيثِ فِيهِ إلَى مَا قُبَيْلَ مَوْتِهِ الْحُكْمِيِّ: أَعْنِي الرِّدَّةَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُورَثُ مَا هُوَ مَمْلُوكٌ لِلْمَيِّتِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فِي تَوْرِيثِ كَسْبِ الرِّدَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحُكْمِ الْخِلَافِيِّ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرْتَدَّ تَزُولُ أَمْلَاكُهُ بِالرِّدَّةِ الْمُسْتَمِرَّةِ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَزُولُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمَوْتُ الْحَقِيقِيُّ أَوْ الْحُكْمِيُّ بِاللَّحَاقِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا اكْتَسَبَهُ فِي زَمَنِ الرِّدَّةِ يَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ، ثُمَّ إذَا تَحَقَّقَ الْمَوْتُ وَقُلْنَا بِوُجُوبِ إرْثِهِمْ إيَّاهُ.

وَالْفَرْضُ أَنَّ لَهُ مَالًا مَمْلُوكًا فَلَا بُدَّ مِنْ إرْثِهِمْ لَهُ وَإِرْثُهُمْ يَسْتَدْعِي اسْتِنَادَهُ إلَى مَا قُبَيْلَ رِدَّتِهِ فَيَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ اعْتِبَارُ مَا اكْتَسَبَهُ فِي زَمَنِ الرِّدَّةِ مَوْجُودًا قَبْلَهَا حُكْمًا لِوُجُودِ سَبَبِهِ، وَهُوَ نَفْسُ الْمُرْتَدِّ وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا حِسًّا وَقْتَئِذٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنَّمَا يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ حَالَةَ الرِّدَّةِ) بِأَنْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا (وَبَقِيَ كَذَلِكَ إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ) أَوْ لَحَاقِهِ (فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) رَوَاهَا عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ، وَهَذَا لِاعْتِبَارِ الِاسْتِنَادِ فِي الْإِرْثِ، فَإِنَّ الْمُسْتَنِدَ لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْتَنِدُ فَيَجِبُ أَنْ يُصَادِفَ عِنْدَ ثُبُوتِهِ مَنْ هُوَ بِصِفَةِ اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْحُرُّ وَكَذَا عِنْدَ اسْتِنَادِهِ، حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ بَعْضُ قَرَابَتِهِ أَوْ وَلَدٌ مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ بَعْدَ الرِّدَّةِ لَا يَرِثُهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. (وَعَنْهُ أَنَّهُ يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا عِنْدَ الرِّدَّةِ) فَقَطْ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ بَقَائِهِ بِالصِّفَةِ إلَى الْمَوْتِ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ (فَلَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ) أَيْ اسْتِحْقَاقُ مَنْ كَانَ وَارِثًا عِنْدَ الرِّدَّةِ بِعُرُوضِ مَوْتِ ذَلِكَ الْوَارِثِ أَوْ رِدَّتِهِ بَعْدَ رِدَّةِ أَبِيهِ (بَلْ) إذَا مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ (يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ) وَهُوَ وَارِثُ الْوَارِثِ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَوَّلَ الْكَرْخِيُّ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُهَا لِاسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ (وَعَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْوَارِثِ عِنْدَ الْمَوْتِ) وَاللَّحَاقِ وَهِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْهُ.

قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَهَذَا أَصَحُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>