للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَكِنَّهُ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ فَجَازَ.

قَالَ (وَيَنْبَغِي إذَا أَخَذَهُ أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ لِيَرُدَّهُ) فَالْإِشْهَادُ حَتْمٌ فِيهِ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، حَتَّى لَوْ رَدَّهُ مَنْ لَمْ يُشْهِدْ وَقْتَ الْأَخْذِ لَا جُعْلَ لَهُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ تَرْكَ الْإِشْهَادِ أَمَارَةٌ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْآخِذِ أَوْ اتَّهَبَهُ أَوْ وَرِثَهُ فَرَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ لَا جُعْلَ لَهُ لِأَنَّهُ رَدَّهُ لِنَفْسِهِ، إلَّا إذَا أَشْهَدَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِيَرُدَّهُ فَيَكُونُ لَهُ الْجُعْلُ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِي أَدَاءِ الثَّمَنِ

(وَإِنْ كَانَ الْآبِقُ رَهْنًا فَالْجُعْلُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّهُ أَحْيَا مَالِيَّتَهُ بِالرَّدِّ وَهِيَ حَقُّهُ، إذْ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهَا وَالْجُعْلُ بِمُقَابِلَةِ إحْيَاءِ الْمَالِيَّةِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ، وَالرَّدُّ فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ، لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ فَبِقَدْرِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ وَالْبَاقِي عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّ حَقَّهُ بِالْقَدْرِ الْمَضْمُونِ فَصَارَ كَثَمَنِ الدَّوَاءِ

الرَّادِّ قَبْلَ قَبْضِهِ بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (لَكِنَّهُ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ) لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ) الْمُطْلَقِ (عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ فَجَازَ).

وَأَوْرَدَ أَنَّ الشُّبْهَةَ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي الْحُرُمَاتِ. أَجَابَ بِأَنَّ هَذِهِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِهَا، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ رِضَا الْمَالِكِ كَانَ الثَّابِتُ الشُّبْهَةَ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ حَقِيقَةً فَمَعَ عَدَمِ الرِّضَا الثَّابِتِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ

(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إذَا أَخَذَهُ أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ لِيَرُدَّهُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (فَالْإِشْهَادُ حَتْمٌ فِيهِ) أَيْ فِي أَخْذِ الْآبِقِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْآخِذِ (عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) وَتَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ حَتْمٌ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ تَسَاهُلٌ وَإِلَّا يَلْزَمُ بِتَرْكِهِ اسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ، وَنَقْطَعُ بِأَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ بِقَصْدِ الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ وَاتَّفَقَ أَنَّهُ لَمْ يُشْهِدْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْإِشْهَادُ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِاسْتِحْقَاقِ الْجُعْلِ وَلِسُقُوطِ الضَّمَانِ إنْ مَاتَ عِنْدَهُ أَوْ أَبَقَ (لِأَنَّ تَرْكَ الْإِشْهَادِ أَمَارَةٌ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ) الرَّادُّ (مِنْ الْآخِذِ أَوْ اتَّهَبَهُ) مِنْهُ (فَرَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ لَا جُعْلَ لَهُ لِأَنَّهُ رَدَّهُ لِنَفْسِهِ) لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ أَوْ الِاتِّهَابِ قَاصِدٌ لِتَمَلُّكِهِ ظَاهِرًا فَيَكُونُ غَاصِبًا فِي حَقِّ سَيِّدِهِ فَرَدَّهُ لِإِسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ رَدَّهُ لِنَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ أَوْ وَرِثَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ يَكُونُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ فَيَضْمَنُهُ، فَإِذَا رَدَّهُ لَا جُعْلَ لَهُ لِأَنَّهُ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ عِنْدَ الشِّرَاءِ مِنْ الْآخِذِ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَيْته لِأَرُدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ إلَّا بِشِرَائِهِ فَحِينَئِذٍ (يَكُونُ لَهُ الْجُعْلُ) وَلَا يَرْجِعُ عَلَى السَّيِّدِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِهِ كَمَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْآبِقُ رَهْنًا فَالْجُعْلُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّ بِالرَّدِّ حَيِيَتْ مَالِيَّتُهُ وَمَالِيَّتُهُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْهَا وَالْجُعْلُ عَلَى مَنْ حَيِيَتْ لَهُ الْمَالِيَّةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ بِالْإِبَاقِ سَقَطَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ كَمَا بِالْمَوْتِ، وَبِالْعَوْدِ عَادَ الدَّيْنُ وَتَعَلَّقَ حَقُّهُ بِالرَّهْنِ اسْتِيفَاءً مِنْ مَالِيَّتِهِ كَمَا لَوْ مَاتَتْ الشَّاةُ الْمَرْهُونَةُ فَدَبَغَ جِلْدَهَا فَإِنَّ الدَّيْنَ يَعُودُ بِهِ (وَالرَّدُّ فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ وَمَوْتِهِ سَوَاءٌ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الْجُعْلِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (إذَا كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ) قُسِمَ الْجُعْلُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ، فَمَا أَصَابَ الدَّيْنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَمَا بَقِيَ عَلَى الرَّاهِنِ؛ مَثَلًا الدَّيْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَقِيمَةُ الرَّهْنِ أَرْبَعُمِائَةٍ يَكُونُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ثَلَاثُونَ وَعَلَى الرَّاهِنِ عَشَرَةٌ، وَصَارَ الْجُعْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>