(وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُحْكَمْ بِمَوْتِهِ فِيهَا فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ حَيَاتُهُ مَعْلُومَةً (وَلَا يَرِثُ الْمَفْقُودُ أَحَدًا مَاتَ فِي حَالِ فَقْدِهِ) لِأَنَّ بَقَاءَهُ حَيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِي الِاسْتِحْقَاقِ
(وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِلْمَفْقُودِ وَمَاتَ الْمُوصِي) ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ الْمَفْقُودِ وَارِثٌ لَا يُحْجَبُ بِهِ وَلَكِنَّهُ يُنْتَقَصُ حَقُّهُ بِهِ يُعْطَى أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي
الْأَثْقَالُ هَكَذَا وَعَقَدَ أَرْبَعِينَ، فَإِذَا كَانَ ابْنَ خَمْسِينَ يَنْحَنِي مِنْ كَثْرَةِ الْأَثْقَالِ وَالْأَشْغَالِ هَكَذَا وَعَقَدَ خَمْسِينَ، فَإِذَا كَانَ ابْنَ سِتِّينَ يَنْقَبِضُ لِلشَّيْخُوخِيَّةِ هَكَذَا وَعَقَدَ سِتِّينَ، فَإِذَا كَانَ ابْنَ سَبْعِينَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصَا هَكَذَا وَعَقَدَ سَبْعِينَ، فَإِذَا كَانَ ابْنَ ثَمَانِينَ يَسْتَلْقِي هَكَذَا وَعَقَدَ ثَمَانِينَ، فَإِذَا كَانَ ابْنَ تِسْعِينَ تَنْضَمُّ أَعْضَاؤُهُ فِي بَطْنِهِ هَكَذَا وَعَقَدَ تِسْعِينَ، فَإِذَا كَانَ ابْنَ مِائَةٍ يَتَحَوَّلُ مِنْ الدُّنْيَا إلَى الْعُقْبَى كَمَا يَتَحَوَّلُ الْحِسَابُ مِنْ الْيُمْنَى إلَى الْيُسْرَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ بِمِثْلِ هَذَا لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ، وَإِنَّمَا الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْحَمْلُ عَلَى طُولِ الْعُمُرِ فِي الْمَفْقُودِ احْتِيَاطًا، وَالْغَالِبُ فِيمَنْ طَالَ عُمُرُهُ أَنْ لَا يُجَاوِزَ الْمِائَةَ.
فَقَوْلُهُ فِي الْمَبْسُوطِ: وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ فِي نَفْسِهِ فَإِنَّهُ عَاشَ مِائَةً وَسَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ مُوجِبًا لِخَطَئِهِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَالِبِ عِنْدَهُ، وَكَوْنُهُ هُوَ خَرَجَ عَنْ الْغَالِبِ لَا يَكُونُ مُخْطِئًا فِيمَا أَعْطَى مِنْ الْحُكْمِ، وَكَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ سِرَاجُ الدِّينِ فِي فَرَائِضِهِ عَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى أَنَّهَا مِائَةُ سَنَةٍ لِأَنَّ الْحَيَاةَ بَعْدَهَا نَادِرٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِالنَّادِرِ. وُورِيَ أَنَّهُ عَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ وَتِسْعَ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ قَوْلِهِ.
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَامِدٍ أَنَّهَا تِسْعُونَ سَنَةً لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي أَعْمَارِ أَهْلِ زَمَانِنَا هَذَا، وَهَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْغَالِبَ فِي الْأَعْمَارِ الطِّوَالِ فِي أَهْلِ زَمَانِنَا أَنْ لَا تَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ، نَعَمْ الْمُتَأَخِّرُونَ الَّذِينَ اخْتَارُوا سِتِّينَ بَنَوْهُ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ الْأَعْمَارِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ مَا جَاءَ إلَّا مِنْ اخْتِلَافِ الرَّأْيِ فِي أَنَّ الْغَالِبَ هَذَا فِي الطُّولِ أَوْ مُطْلَقًا، فَلِذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الْأَلْيَقُ بِطَرِيقِ الْفِقْهِ أَنْ لَا يُقَدَّرَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ لَا يَكُونُ وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْأَقْيَسُ إلَخْ، وَلَكِنْ نَقُولُ: إذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَقْرَانِهِ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ اعْتِبَارًا لِحَالِهِ بِحَالِ نَظَائِره، وَهَذَا رُجُوعٌ إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْأَرْفَقُ) أَيْ بِالنَّاسِ (أَنْ يُقَدَّرَ بِتِسْعِينَ) وَأَرْفَقُ مِنْهُ التَّقْدِيرُ بِسِتِّينَ. وَعِنْدِي الْأَحْسَنُ سَبْعُونَ لِقَوْلِهِ ﷺ «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ» فَكَانَتْ الْمُنْتَهَى غَالِبًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، فَأَيُّ وَقْتٍ رَأَى الْمَصْلَحَةَ حَكَمَ بِمَوْتِهِ وَاعْتَدَّتْ امْرَأَتُهُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ مِنْ وَقْتِ الْحُكْمِ لِلْوَفَاةِ كَأَنَّهُ مَاتَ فِيهِ مُعَايَنَةً، إذْ الْحُكْمِيُّ مُعْتَبَرٌ بِالْحَقِيقِيِّ (قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ) أَيْ مِمَّنْ يَرِثُ الْمَفْقُودَ (قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ (لَمْ يَرِثْ مِنْ الْمَفْقُودِ) بِنَاءً عَلَى الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَفْقُودِ فَتَجْرِي مُنَاسَخَةٌ فَتَرِثُ وَرَثَتُهُ مِنْ الْمَفْقُودِ (لِأَنَّهُ لَمْ يُحْكَمْ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ بَعْدُ) وَحِينَ مَاتَ هَذَا كَانَ الْمَفْقُودُ مَحْكُومًا بِحَيَاتِهِ كَمَا إذَا كَانَتْ حَيَاتُهُ مَعْلُومَةً (وَلَا يَرِثُ الْمَفْقُودُ أَحَدًا مَاتَ فِي حَالِ فَقْدِهِ لِأَنَّ بَقَاءَهُ حَيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ) يَعْنِي وَقْتَ مَوْتِ ذَلِكَ الْأَحَدِ (بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِي الِاسْتِحْقَاقِ) بَلْ فِي دَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَيْهِ وَلِذَا جَعَلْنَاهُ حَيًّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلَا يُورَثُ مَالُهُ فِي حَالِ فَقْدِهِ مَيِّتًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يَرِثُ هُوَ غَيْرَهُ
(وَكَذَلِكَ) لَوْ (أَوْصَى لَهُ وَمَاتَ الْمُوصِي) فِي حَالِ فَقْدِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أَقْضِي بِهَا وَلَا أُبْطِلُهَا حَتَّى يَظْهَرَ حَالُ الْمَفْقُودِ: يَعْنِي يُوقَفُ نَصِيبُ الْمَفْقُودِ الْمُوصَى لَهُ بِهِ إلَى أَنْ يَقْضِيَ بِمَوْتِهِ، فَإِذَا قُضِيَ بِهِ جُعِلَ كَأَنَّهُ الْآنَ، وَفِي اسْتِحْقَاقِهِ لِمَالِ غَيْرِهِ كَأَنَّهُ مَاتَ حِينَ فُقِدَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا الْمَفْقُودُ مَيِّتٌ فِي مَالِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ مَنْ بِحَيْثُ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ إنْ كَانَ مَعَ الْمَفْقُودِ وَارِثٌ لَا يُحْجَبُ بِالْمَفْقُودِ) حَجْبَ حِرْمَانٍ (وَلَكِنَّهُ يُنْتَقَصُ حَقُّهُ بِهِ يُعْطِي) ذَلِكَ الْوَارِثُ (أَقَلَّ نَصِيبِهِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي) حَتَّى يَظْهَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute