قَالَ (الشِّرْكَةُ ضَرْبَانِ: شِرْكَةُ أَمْلَاكٍ، وَشِرْكَةُ عُقُودٍ. فَشِرْكَةُ الْأَمْلَاكِ: الْعَيْنُ يَرِثُهَا رَجُلَانِ أَوْ يَشْتَرِيَانِهَا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ) وَهَذِهِ الشِّرْكَةُ تَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ كَمَا إذَا اتَّهَبَ رَجُلَانِ عَيْنًا أَوْ مَلَكَاهَا بِالِاسْتِيلَاءِ أَوْ اخْتَلَطَ مَالُهُمَا مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدِهِمَا
فَمَا فِي أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ «عَنْ السَّائِبِ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: كُنْت شَرِيكِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكُنْت خَيْرَ شَرِيكٍ لَا تُدَارِئُ وَلَا تُمَارِي» وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ «عَنْ السَّائِبِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ شَارَكَهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فِي التِّجَارَةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ جَاءَهُ فَقَالَ ﵊: مَرْحَبًا بِأَخِي وَشَرِيكِي كَانَ لَا يُدَارِئُ وَلَا يُمَارِي، يَا سَائِبُ قَدْ كُنْت تَعْمَلُ أَعْمَالًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا تُقْبَلُ مِنْك وَهِيَ الْيَوْمَ تُقْبَلُ مِنْك» وَكَانَ ذَا سَلَفٍ وَصَدَاقَةٍ، وَاسْمُ السَّائِبِ صَيْفِيُّ بْنُ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَقَوْلُ السُّهَيْلِيِّ فِيهِ إنَّهُ كَثِيرُ الِاضْطِرَابِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيه عَنْ السَّائِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيه عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّائِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، وَهَذَا اضْطِرَابٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ وَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، إنَّمَا يَصِحُّ إذَا أَرَادَ الْحُجَّةَ فِي تَعْيِينِ الشَّرِيكِ مَنْ كَانَ، أَمَّا غَرَضُنَا وَهُوَ ثُبُوتُ مُشَارَكَتِهِ ﷺ فَثَابِتٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ: يُدَارِئُ مَهْمُوزٌ فِي الْحَدِيثِ: أَيْ يُدَافِعُ. ثُمَّ إيرَادُ الْمَشَايِخِ هَذَا إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ الشَّرِكَةَ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ جُزْءُ الدَّلِيلِ: أَعْنِي أَنَّهُ بُعِثَ وَهُمْ يَتَشَارَكُونَ فَقَرَّرَهُمْ وَمُفِيدُ الْجُزْءِ الثَّانِي مَا فِي أَبِي دَاوُد وَمُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنْهُ ﵊ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَا خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا» زَادَ رَزِينٌ " وَجَاءَ يَد الشَّيْطَانِ " وَضَعَّفَهُ الْقَطَّانُ بِجَهَالَةِ وَالِدِ أَبِي حَيَّانَ وَهُوَ سَعِيدٌ، فَإِنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ حَيَّانَ.
وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ أَبِي حَيَّانَ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ «يَدُ اللَّهِ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ رَفَعَهَا عَنْهُمَا» وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَ الشِّرْكَةِ مَشْرُوعَةً أَظْهَرُ ثُبُوتًا مِمَّا بِهِ ثُبُوتُهَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ، إذْ التَّوَارُثُ وَالتَّعَامُلُ بِهَا مِنْ لَدُنْ النَّبِيِّ ﷺ وَهَلُمَّ جَرًّا مُتَّصِلٌ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى إثْبَاتِ حَدِيثٍ بِعَيْنِهِ فَلِهَذَا لَمْ يَزِدْ الْمُصَنِّفُ عَلَى ادِّعَاءِ تَقْرِيرِهِ ﷺ عَلَيْهَا
(قَوْلُهُ الشِّرْكَةُ ضَرْبَانِ: شِرْكَةُ أَمْلَاكٍ، وَشِرْكَةُ عُقُودٍ. فَشِرْكَةُ الْأَمْلَاكِ الْعَيْنُ يَرِثُهَا الرَّجُلَانِ أَوْ يَشْتَرِيَانِهَا) وَظَاهِرُ هَذَا الْحَمْلِ مِنْ الْقُدُورِيِّ الْقَصْرُ، فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا لَا تَقْتَصِرُ عَلَى مَا ذُكِرَ بَلْ تَثْبُتُ فِيمَا إذَا اتَّهَبَا عَيْنًا أَوْ مَلَكَاهَا بِالِاسْتِيلَاءِ بِأَنْ اسْتَوْلَيَا عَلَى مَالِ حَرْبِيٍّ يُمْلَكُ مَالُهُ بِالِاسْتِيلَاءِ أَوْ اخْتَلَطَ مَالُهُمَا مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ مِنْ أَحَدِهِمَا بِأَنْ انْفَتَقَ كِيسَاهُمَا الْمُتَجَاوِرَانِ فَاخْتَلَطَ مَا فِيهِمَا أَوْ اخْتَلَطَ بِخَلْطِهِمَا خَلْطًا يَمْنَعُ التَّمْيِيزَ كَالْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ أَوْ يَتَعَسَّرُ كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ؛ وَلَوْ قَالَ: الْعَيْنُ يَمْلِكَانِهَا كَانَ شَامِلًا، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ مِنْ شِرْكَةِ الْأَمْلَاكِ الشِّرْكَةُ فِي الدَّيْنِ فَقِيلَ مَجَازٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لَا يُمْلَكُ، وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ يُمْلَكُ شَرْعًا وَلِذَا جَازَ هِبَتُهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْهِبَةَ مَجَازٌ عَنْ الْإِسْقَاطِ وَلِذَا لَمْ تَجُزْ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ، وَالْحَقُّ مَا ذَكَرُوا مِنْ مِلْكِهِ، وَلِذَا مَلَكَ مَا عَنْهُ مِنْ الْعَيْنِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ حَتَّى إذَا دَفَعَ مَنْ عَلَيْهِ إلَى أَحَدِهِمَا شَيْئًا كَانَ لِلْآخَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute