فَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْجِنْسِ وَالتَّسَاوِي فِي الرِّبْحِ، وَتَصِحُّ شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ.
قَالَ (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إذَا شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ مُسَمَّاةً مِنْ الرِّبْحِ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُوجِبُ انْقِطَاعَ الشَّرِكَةِ فَعَسَاهُ لَا يُخْرِجُ إلَّا قَدْرَ الْمُسَمَّى لِأَحَدِهِمَا، وَنَظِيرُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ.
قَالَ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ يُبْضِعَ الْمَالَ) لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى الْعَمَلِ، وَالتَّحْصِيلُ بِغَيْرِ عِوَضٍ دُونَهُ فَيَمْلِكَهُ، وَكَذَا لَهُ أَنْ يُودِعَهُ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ وَلَا يَجِدُ التَّاجِرُ مِنْهُ بُدًّا. قَالَ (وَيَدْفَعُهُ مُضَارَبَةً)؛ لِأَنَّهَا دُونَ الشَّرِكَةِ فَتَتَضَمَّنَهَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَوْعُ شَرِكَةٍ، وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ
تَتَحَقَّقُ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ بِلَا خَلْطٍ.
فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ الشِّرَاءِ لِوُجُودِ الْمَالِ وَقْتَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ فِي الْمَحَلِّ. قُلْنَا: إنَّمَا بَطَلَتْ لِمُعَارِضٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ هَلَاكَ الْمَحَلِّ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْعَقْدِ مِنْهُ يُبْطِلُهُ كَالْبَيْعِ يَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ عَقْدِ الشَّرِكَةِ الِاسْتِرْبَاحُ وَهُوَ بِالشِّرَاءِ أَوَّلًا، فَإِذَا هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَانَ كَهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ هُوَ الْعَقْدُ لَا الْمَالُ (لَمْ يُشْتَرَطْ اتِّحَادُ الْجِنْسِ وَلَا التَّسَاوِي) فِي رَأْسِ الْمَالِ وَلَا (فِي الرِّبْحِ وَتَصِحُّ شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ)
قَوْلُهُ (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إذَا شُرِطَ لِأَحَدٍ دَرَاهِمُ مُسَمَّاةً مِنْ الرِّبْحِ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا خِلَافَ فِي هَذَا لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُوجِبُ انْقِطَاعَ الشَّرِكَةِ فَعَسَاهُ لَا يُخْرِجُ إلَّا قَدْرَ الْمُسَمَّى فَيَكُونُ اشْتِرَاطُ جَمِيعِ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ، وَاشْتِرَاطُهُ لِأَحَدِهِمَا يُخْرِجُ الْعَقْدَ عَنْ الشَّرِكَةِ إلَى قَرْضٍ أَوْ بِضَاعَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَقَوْلُهُ (وَنَظِيرُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ) يَعْنِي إذَا شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مُسَمَّاةً بَطَلَتْ لِأَنَّهُ عَسَى أَنْ لَا تُخْرِجَ الْأَرْضُ غَيْرَهَا
(قَوْلُهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ يُبْضِعَ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ) مِنْ الْمُتَشَارِكَيْنِ (وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى عَمَلِ التِّجَارَةِ، وَالتَّحْصِيلُ) لِلرِّبْحِ (بِغَيْرِ عِوَضٍ دُونَهُ) وَأَنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا، فَإِذَا مَلَكَ مَا هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مَلَكَ مَا هُوَ أَقَلُّ، وَظَهَرَ أَنَّ لَفْظَ التَّحْصِيلِ مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ الظَّرْفُ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَهُ أَنْ يُودِعَهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ وَلَا يَجِدُ التَّاجِرُ بُدًّا مِنْهُ) فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَالْمَضَايِقِ.
وَقَوْلُهُ (وَيَدْفَعُهُ مُضَارَبَةً لِأَنَّهَا دُونَ الشَّرِكَةِ)؛ لِأَنَّ الْوَضِيعَةَ فِي الشَّرِكَةِ تَلْزَمُ الشَّرِيكَ وَلَا تَلْزَمُ الْمُضَارِبَ، فَتَتَضَمَّنُ الشَّرِكَةُ الْمُضَارَبَةَ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) لِرِوَايَةِ الْحَسَنِ (أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ شَرِكَةٍ) فِي الرِّبْحِ (وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute