وَالرِّبْحَ كَذَلِكَ يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَفَاضَلَا فِيهِ، وَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَالرِّبْحُ كَذَلِكَ)، وَهَذَا لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِالْمَالِ أَوْ الْعَمَلِ أَوْ بِالضَّمَانِ فَرَبُّ الْمَالِ يَسْتَحِقُّهُ بِالْمَالِ، وَالْمُضَارِبُ يَسْتَحِقُّهُ بِالْعَمَلِ، وَالْأُسْتَاذُ الَّذِي يُلْقِي الْعَمَلَ عَلَى التِّلْمِيذِ بِالنِّصْفِ بِالضَّمَانِ، وَلَا يُسْتَحَقُّ بِمَا سِوَاهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ تَصَرَّفْ فِي مَالِكِ عَلَى أَنَّ لِي رِبْحَهُ لَمْ يَحُزْ لِعَدَمِ هَذِهِ الْمَعَانِي. وَاسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ بِالضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالضَّمَانُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْمُشْتَرَى وَكَانَ الرِّبْحُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ إلَّا فِي الْمُضَارَبَةِ وَالْوُجُوهُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا، بِخِلَافِ الْعِنَانِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْمَلُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ فَيُلْحَقُ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا كَانَتْ عِنَانًا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ لِتَبَادُرِهِ وَزِيَادَةِ تَعَارُفِهِ عَمَلًا.
وَمَنَعَهَا الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ، وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ تَقَدَّمَ فِي شَرِكَةِ الْأَعْمَالِ.
وَنَقُولُ: صِحَّةُ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ الْوَكَالَةِ، وَتَوَصُّلُ كُلٍّ مِنْ الْآخَرِ بِالشَّرِكَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلَاثًا صَحِيحٌ، فَكَذَا الشَّرِكَةُ الَّتِي تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْوَكَالَةَ، وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الْبَاقِي غَيْرِ الْفَرْقِ بَيْنِ الْوُجُوهِ وَالْعِنَانِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ لَا يَصِحُّ التَّفَاوُتُ فِي الرِّبْحِ وَيَصِحُّ فِي الْعِنَانِ مَعَ أَنَّ الرِّبْحَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ، فَفَرَّقَ بِأَنَّ شَرِكَةَ الْعِنَانِ فِي مَعْنَى الْمُضَارَبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا عَامِلٌ فِي مَالِ صَاحِبِهِ، بِخِلَافِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ فَصَحَّ إعْمَالُ شَبَهِ الْمُضَارَبَةِ فِي الْعِنَانِ فِي إجَازَةِ تَفَاوُتِ الرِّبْحِ، بِخِلَافِ الْوُجُوهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ شَبَهَ الْمُضَارَبَةِ إنَّمَا جَوَّزَ زِيَادَةَ رِبْحِ أَحَدِهِمَا فِي الْعِنَانِ بِاعْتِبَارِ عَمَلِهِ فِي مَالِ الْآخَرِ وَلَيْسَ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ أَحَدُهُمَا عَامِلٌ فِي مَالِ الْآخَرِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يُجْعَلُ الِاسْتِحْقَاقُ فِي الْمُضَارَبَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ إلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ لِشَبَهِهِ بِهِ، بَلْ نَقُولُ الرِّبْحُ يُسْتَحَقُّ شَرْعًا بِأَحَدِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ، مِنْهَا الْعَمَلُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ لِلِاسْتِحْقَاقِ شَرْعًا بِالْعَمَلِ فِي الْإِجَارَةِ، وَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ اعْتِرَاضُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ فِي الْعِنَانِ لِشَبَهِهِ بِالْمُضَارَبَةِ يَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِالْعُرُوضِ فِي الْعِنَانِ، وَنَحْنُ إنَّمَا لَمْ نُجَوِّزْهَا لِأَدَائِهَا إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ؛ لِأَنَّ فِي جَعْلِ رَأْسِ مَالِ الشَّرِكَةِ عُرُوضًا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ لَا فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ لِلْمُسْتَحِقِّ فِي مَالِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ عِنْدَ بَيْعِ الْعُرُوضِ مُتَفَاوِتَةَ الثَّمَنِ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ فَضْلِ الْعَمَلِ كَمَا فِي الصَّنَائِعِ؟ أُجِيبُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا يَكُونُ الْعَمَلُ فِي مَالٍ مَعْلُومٍ كَمَا فِي الْعِنَانِ وَالْمُضَارَبَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute