وَلَوْ وَقَفَهُ الْكُلَّ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مِنْهُ بَطَلَ فِي الْبَاقِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الشُّيُوعَ مُقَارَنٌ كَمَا فِي الْهِبَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي الْبَعْضِ أَوْ رَجَعَ الْوَارِثُ فِي الثُّلُثَيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَرِيضِ وَقَدْ وَهَبَهُ أَوْ أَوْقَفَهُ فِي مَرَضِهِ وَفِي الْمَالِ ضِيقٌ، لِأَنَّ الشُّيُوعَ فِي ذَلِكَ طَارِئٌ.
وَلَوْ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مُمَيَّزٌ بِعَيْنِهِ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْبَاقِي لِعَدَمِ الشُّيُوعِ وَلِهَذَا جَازَ فِي الِابْتِدَاءِ، وَعَلَى هَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ الْمَمْلُوكَةُ.
اتَّفَقُوا عَلَى مَنْعِ وَقْفِ الْمَشَاعِ مُطْلَقًا مَسْجِدًا وَمَقْبَرَةً؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ يَمْنَعُ خُلُوصَ الْحَقِّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ جَوَازَ وَقْفِ الْمَشَاعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّهَايُؤِ، وَالتَّهَايُؤُ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَحٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَكَانُ مَسْجِدًا سَنَةً وَإِصْطَبْلًا لِلدَّوَابِّ سَنَةً وَمَقْبَرَةً عَامًا وَمَزْرَعَةً عَامًا أَوْ مِيضَأَةً عَامًا
وَأَمَّا النَّبْشُ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ مِنْ الْمُهَايَأَةِ بَلْ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ ذَلِكَ، ثُمَّ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِصِحَّتِهِ وَطَلَبَ بَعْضُهُمْ الْقِسْمَةَ لَا يَقْسِمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَتَهَايَئُونَ، وَعِنْدَهُمَا يَقْسِمُ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْكُلَّ لَوْ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْأَرْبَابِ وَأَرَادُوا الْقِسْمَةَ لَا تَجُوزُ، وَكَذَا التَّهَايُؤُ، وَعَلَيْهِ فُرِّعَ مَا لَوْ وَقَفَ دَارِهِ عَلَى سُكْنَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ أَوْ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ مَا تَنَاسَلُوا، فَإِذَا انْقَرَضُوا كَانَتْ غَلَّتُهَا لِلْمَسَاكِينِ، فَإِنَّ هَذَا الْوَقْفَ جَائِزٌ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، وَإِذَا انْقَرَضُوا تُكْرَى وَتُوضَعُ غَلَّتُهَا لِلْمَسَاكِينِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ السُّكْنَى أَنْ يُكْرِيَهَا، وَلَوْ زَادَتْ عَلَى قَدْرِ حَاجَةِ سُكْنَاهُ، نَعَمْ لَهُ الْإِعَارَةُ لَا غَيْرُ، وَلَوْ كَثُرَ أَوْلَادُ هَذَا الْوَاقِفِ وَوَلَدُ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ حَتَّى ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الدَّارُ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا سُكْنَاهَا تُقَسَّطُ عَلَى عَدَدِهِمْ؛ وَلَوْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا إنْ كَانَ فِيهَا حُجَرٌ وَمَقَاصِيرُ كَانَ لِلذُّكْرَانِ أَنْ يُسَكِّنُوا نِسَاءَهُمْ مَعَهُمْ وَلِلْإِنَاثِ أَنْ تُسَكِّنَ أَزْوَاجَهُنَّ مَعَهُنَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا حُجَرٌ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ تُقْسَمَ بَيْنَهُمْ وَلَا يَقَعُ فِيهَا مُهَايَأَةٌ إنَّمَا سُكْنَاهُ لِمَنْ جَعَلَ لَهُ الْوَاقِفُ ذَلِكَ لَا لِغَيْرِهِمْ، وَمِنْ هَذَا يُعْرَفُ أَنَّ لَوْ سَكَنَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَجِدْ الْآخَرُ مَوْضِعًا يَكْفِيهِ لَا يَسْتَوْجِبُ أُجْرَةَ حِصَّتِهِ عَلَى السَّاكِنِ، بَلْ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْكُنَ مَعَهُ فِي بُقْعَةٍ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ بِلَا زَوْجَةٍ أَوْ زَوْجٍ إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ ذَلِكَ، وَإِلَّا تَرَكَ الْمُتَضَيِّقُ وَخَرَجَ أَوْ جَلَسُوا مَعًا كُلٌّ فِي بُقْعَةٍ إلَى جَنْبِ الْآخَرِ.
وَالْأَصْلُ الْمَذْكُورُ فِي الشُّرُوحِ وَالْفَرْعِ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْت، وَكَيْفَ يُخَالِفُ، وَقَدْ نَقَلُوا إجْمَاعَهُمْ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ؛ وَلَوْ اقْتَسَمَا: أَعْنِي الْوَاقِفَ لِلْمَشَاعِ وَشَرِيكَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ الْقِسْمَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ قَبْلَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَوَقَعَ نَصِيبُ الْوَاقِفِ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ كَانَ هُوَ الْوَقْفُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقِفَهُ ثَانِيًا (قَوْلُهُ وَلَوْ وَقَفَ الْكُلَّ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مِنْهُ) يَعْنِي شَائِعًا (بَطَلَ الْوَقْفُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ﵀)؛ لِأَنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ أَنَّ الشُّيُوعَ كَانَ مُقَارِنًا لِلْوَقْفِ (كَمَا فِي الْهِبَةِ) إذَا وَهَبَ الْكُلَّ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ بَطَلَتْ لِهَذَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ الْكُلَّ (ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي الْبَعْضِ أَوْ رَجَعَ الْوَارِثُ فِي الثُّلُثَيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَرِيضِ) الَّذِي وَقَفَ فِي مَرَضِهِ الْكُلَّ، وَلَا يُخْرَجُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ طَارَ، وَإِذَا بَطَلَ الْوَقْفُ فِي الْبَاقِي رَجَعَ إلَى الْوَاقِفِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَإِلَى وَرَثَتِهِ إنْ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْوَاقِفِ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ مَا يَجْعَلُهُ وَقْفًا (وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ جُزْءًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْبَاقِي لِعَدَمِ الشُّيُوعِ) فَلِهَذَا جَازَ فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ يَقِفَ ذَلِكَ الْبَاقِيَ فَقَطْ (وَعَلَى هَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ الْمَمْلُوكَةُ) لَوْ اُسْتُحِقَّ مِنْهُمَا جُزْءٌ شَائِعٌ بَطَلَتْ، وَلَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute