للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«لِأَنَّ النَّبِيَّ وَاظَبَ عَلَيْهِ»، وَهَذَا اللَّفْظُ يُشِيرُ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْمَحْكِيُّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ يُكَبِّرُ لِأَنَّ فِعْلَهُ نَفْيُ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ : يَرْفَعُ إلَى مَنْكِبَيْهِ، وَعَلَى هَذَا تَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ وَالْأَعْيَادِ وَالْجِنَازَةِ لَهُ حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ «إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ» وَلَنَا رِوَايَةُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ وَالْبَرَاءِ وَأَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ

لَمْ يَكُنْ مَا يُفِيدُ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَامِلِ الْوُجُوبِ وَقَدْ وُجِدَ وَهُوَ تَعْلِيمُهُ الْأَعْرَابِيَّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ.

عَلَى أَنَّهُ حَكَى فِي الْخُلَاصَةِ خِلَافًا فِي تَرْكِهِ، قِيلَ يَأْثَمُ وَقِيلَ لَا.

قَالَ: وَالْمُخْتَارُ إنْ اعْتَادَهُ أَثِمَ لَا إنْ كَانَ أَحْيَانًا انْتَهَى.

وَيَنْبَغِي أَنْ نَجْعَلَ شِقَّيْ هَذَا الْقَوْلِ مَحْمَلَ الْقَوْلَيْنِ فَلَا اخْتِلَافَ حِينَئِذٍ وَلَا إثْمَ لِنَفْسِ التَّرْكِ بَلْ لِأَنَّ اعْتِيَادَهُ لِلِاسْتِخْفَافِ وَإِلَّا فَمُشْكِلٌ أَوْ يَكُونُ وَاجِبًا (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) قَوْلًا (وَالْمَحْكِيُّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ) فِعْلًا، وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ التُّحْفَةِ وَقَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ) عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ (قَوْلُهُ وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِيجَابِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ ذَاكَ فِي اللَّفْظِ فَلَا يَلْزَمُ فِي غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ إذَا لَمْ يَدَّعِ لُزُومَهُ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّ تَقْدِيرَهُ هَكَذَا حِكْمَةُ شَرْعِيَّةِ هَذَا الرَّفْعُ نَفْيُ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ لِيَحْصُلَ مِنْ النَّفْيِ الْفِعْلِيِّ وَالْإِثْبَاتِ الْقَوْلِيِّ حَصْرُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَالْمَعْهُودُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى هَذَا الْحَاصِلِ بِاللَّفْظِ تَقْدِيمُ مُفِيدِ النَّفْيِ، فَإِذَا دَلَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَسْلُكَ بِهِ سَبِيلَ الْمَعْهُودِ اسْتِحْسَانًا لَا لُزُومًا: وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِي وَجْهِ أَوْلَوِيَّةِ هَذَا.

وَالسُّنَّةُ أَنْ يَنْشُرَ أَصَابِعَهُ فِي الرَّفْعِ غَيْرَ مُتَكَلِّفٍ فِي ضَمِّهَا وَتَفْرِيجِهَا وَاخْتَارَ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ سَمْعٌ وَإِلَّا انْتَظَمَ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ «أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ»، قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَيَكُونُ أَوْلَى، لَكِنْ قَدْ وُجِدَ فِي النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ يُكَبِّرُ» وَهُنَا قَوْلٌ ثَالِثٌ قِيلَ بِهِ وَهُوَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ أَوَّلًا ثُمَّ يَرْفَعُ، وَفِيهِ أَيْضًا خُصُوصُ النَّقْلِ، فَإِنَّ رِوَايَةَ أَنَسٍ صَرِيحَةٌ فِيهِ كَمَا سَتَسْمَعُ، وَرِوَايَةُ أَبِي وَائِلٍ وَالْبَرَاءِ ظَاهِرَةٌ فِيهِ، وَحِينَئِذٍ فَفِي الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ رِوَايَةٌ عَنْهُ فَيُؤْنَسُ بِأَنَّهُ فَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ، وَيَتَرَجَّحُ مِنْ بَيْنِ أَفْعَالِهِ هَذِهِ تَقْدِيمُ الرَّفْعِ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَبْدَاهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ) وَبِرُءُوسِ أَصَابِعِهِ فُرُوعَ أُذُنَيْهِ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا) أَيْ هَذَا الْخِلَافُ (قَوْلُهُ لَهُ حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ) وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>