للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَصَارَ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ، فَإِنَّهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِهَا. ثُمَّ إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا يَظْفَرُ بِهِمْ، وَأَقْرَبُ أَمْوَالِهِمْ هَذِهِ الْغَلَّةُ فَتَجِبُ فِيهَا. وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَآخِرُهُ لِلْفُقَرَاءِ فَهُوَ فِي مَالِهِ: أَيِّ مَالٍ شَاءَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ. وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ يُمْكِنُ مُطَالَبَتُهُ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْعِمَارَةَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى الْمَوْقُوفُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهُ، وَإِنْ خَرِبَ يَبْنِي عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّهَا بِصِفَتِهَا صَارَتْ غَلَّتُهَا مَصْرُوفَةً إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. فَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِمُسْتَحَقَّةٍ عَلَيْهِ وَالْغَلَّةُ مُسْتَحَقَّةٌ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى شَيْءٍ آخَرَ إلَّا بِرِضَاهُ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَعِنْدَ الْآخَرِينَ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْعِمَارَةِ ضَرُورَةُ إبْقَاءِ الْوَقْفِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الزِّيَادَةِ.

وَالْعَمَلَةِ وَأُجُورِ الْحُرَّاسِ وَالْحَصَّادِينَ وَالدَّارِسِينَ؛ لِأَنَّ حُصُولَ مَنْفَعَتِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِدَفْعِ هَذِهِ الْمُؤَنِ مِنْ رَأْسِ الْغَلَّةِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يُسْتَحَقُّ بِلَا شَرْطٍ عِنْدَنَا لَكِنْ لَا يُؤْمَنُ جَهْلُ بَعْضِ الْقُضَاةِ فَيَذْهَبُ رَأْيُهُ إلَى قِسْمَةِ جَمِيعِ الْغَلَّةِ، فَإِذَا شَرَطَ ذَلِكَ فِي صَكِّهِ يَقَعُ الْأَمْنُ بِالشَّرْطِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ) أَيْ الِانْتِفَاعُ بِخَرَاجِ الشَّيْءِ كَغَلَّةِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِقِيَامِ ذَلِكَ الشَّيْءِ: أَيْ لِكَوْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَوْ تَلِفَ تَلِفَ مِنْ ضَمَانِ الْمُسْتَغِلِّ. وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مَخْلَدِ بْنِ أَبِي خِفَافٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ «أَنَّهُ قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ». قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْمَمْلُوكَ فَيَسْتَغِلُّهُ، ثُمَّ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقُضِيَ أَنَّهُ يَرُدُّ الْعَبْدَ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ، وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ فَيَأْخُذُهُ وَتَكُونُ لَهُ الْغَلَّةُ طَيِّبَةً وَهُوَ الْخَرَاجُ، وَإِنَّمَا طَابَتْ لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لِلْعَبْدِ، وَلَوْ مَاتَ مَاتَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ اهـ. وَلِهَذَا الْحَدِيثِ نَقَضَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَاءَهُ حِينَ قَضَى بِالْغَلَّةِ لِلْبَائِعِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَفِي مَعْنَاهُ: «الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ». وَقَدْ جَرَى لَفْظُهُ مَجْرَى الْمَثَلِ وَاسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَضَرَّةٍ بِمُقَابَلَةِ مَنْفَعَةٍ.

وَقَوْلُهُ (وَصَارَ) أَيْ عِمَارَةُ الْوَقْفِ (كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فَإِنَّهَا) تَكُونُ (عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِهَا) (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَا يَظْفَرُ بِهِمْ) لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَلْزَمُوا لِعَدَمِ اجْتِمَاعِهِمْ وَلِعُسْرَتِهِمْ (وَأَقْرَبُ أَمْوَالِهِمْ هَذِهِ الْغَلَّةُ) الْكَائِنَةُ لِلْوَقْفِ (فَتَجِبُ) الْعِمَارَةُ فِيهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ) أَوْ رِجَالٍ (وَآخِرُهُ لِلْفُقَرَاءِ فَهُوَ فِي مَالِهِ أَيِّ مَالٍ شَاءَ فِي حَيَاتِهِ) فَإِذَا مَاتَ فَمِنْ الْغَلَّةِ (وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَلَّةِ) عَيْنًا (لِأَنَّهُ) رَجُلٌ (مُعَيَّنٌ يُمْكِنُ مُطَالَبَتُهُ) ثُمَّ هُوَ يُعْطِي إنْ شَاءَ مِنْ الْغَلَّةِ وَإِنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِهَا، ثُمَّ الْعِمَارَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ عَلَيْهِ إنَّمَا هِيَ (بِقَدْرِ مَا يَبْقَى الْمَوْقُوفُ بِهَا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَ) عَلَيْهَا (فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَيْسَتْ بِمُسْتَحَقَّةٍ) فَلَا تُصْرَفُ فِي الْعِمَارَةِ (إلَّا بِرِضَاهُ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ) أَيْ لَا يُزَادُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا (وَعِنْدَ آخَرِينَ يَجُوزُ ذَلِكَ) أَيْ الزِّيَادَةُ (وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) لِأَنَّهُ صَرَفَ حَقَّ الْفُقَرَاءِ إلَى غَيْرِ مَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِمْ، وَلَا تُؤَخَّرُ الْعِمَارَةُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>