وَالْكِتَابُ كَالْخِطَابِ، وَكَذَا الْإِرْسَالُ حَتَّى اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ بُلُوغِ الْكِتَابِ
الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقٌّ يُبْطِلُهُ الْآخَرُ بِلَا مُعَارِضٍ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهُ بَعْدَ الْإِيجَابِ حَقُّ التَّمَلُّكِ، وَالْمُوجِبُ هُوَ الَّذِي أَثْبَتَ لَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةَ فَلَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا كَعَزْلِ الْوَكِيلِ؛ وَلَوْ سَلَّمَ فَلَا يُعَارِضُ حَقُّ التَّمَلُّكِ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ، فَلَوْ لَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ لَزِمَ تَعْطِيلُ حَقِّ الْمِلْكِ بِحَقِّ التَّمَلُّكِ، وَدَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ تَنْفِيهِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ لِلْأَبِ حَقَّ التَّمَلُّكِ لِمَالِ وَلَدِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَقَبْلَ تَمَلُّكِهِ بِالْفِعْلِ كَانَ لِلْوَلَدِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ، وَلَوْ صَادَفَ رَدُّ الْبَائِعِ قَبُولَ الْمُشْتَرِي بَطَلَ. وَأَوْرَدَ فِي الْكَافِي الزَّكَاةَ الْمُعَجَّلَةَ لَيْسَ لَهُ حَقُّ اسْتِرْدَادِهَا لِثُبُوتِ حَقِّ التَّمَلُّكِ لِلْفَقِيرِ. وَحَاصِلُ جَوَابِهِ أَنَّ الْأَصْلَ الْمُوجِبَ لِلدَّفْعِ قَائِمٌ وَهُوَ النِّصَابُ، وَإِنَّمَا الْفَائِتُ وَصْفُهُ وَهُوَ النَّمَاءُ فَبَعْدَ أَخْذِ السَّبَبِ حُكْمَهُ تَمَّ الْأَمْرُ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يُوجَدْ الْأَصْلُ بَلْ شَطْرُهُ فَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ مَوْجُودًا. وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ مَا دَامَ الْمَجْلِسُ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ لَا يَنْعَقِدُ، وَاخْتِلَافُهُ بِاعْتِرَاضِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِعَمَلٍ آخَرَ وَنَحْوِهِ. أَمَّا لَوْ قَامَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَذْهَبْ فَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ مَشَى جَمْعٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْقَبُولُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ قَاضِي خَانْ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قَامَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ: يَعْنِي الْإِيجَابَ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ.
فَإِنْ قِيلَ: الصَّرِيحُ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ، فَلَوْ قَالَ بَعْدَ الْقِيَامِ قَبِلْت يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ الْإِعْرَاضُ. قُلْنَا: الصَّرِيحُ إذَا كَانَ أَقْوَى وَيُعْمَلُ إذَا بَقِيَ الْإِيجَابُ بَعْدَ قِيَامِهِ، وَهُنَا لَمْ يَبْقَ فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَبْقَى اللَّفْظُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ، وَلَا يَجْتَمِعُ قَوْلُهُ قَبِلْت بِهِ إلَّا أَنَّ لِلْمَجْلِسِ أَثَرًا فِي جَمْعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ وَبِالْقِيَامِ لَا يَبْقَى الْمَجْلِسُ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ: إذَا قَامَ الْبَائِعُ وَلَمْ يَذْهَبْ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ قَبِلَ الْمُشْتَرِي صَحَّ، وَإِلَيْهِ أُشِيرُ فِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ، وَهَذَا شَرْحٌ لِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي وَأَيُّهُمَا قَامَ إلَى آخِرِهِ، وَعَلَى اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ مَا إذَا تَبَايَعَا، وَهُمَا يَمْشِيَانِ أَوْ يَسِيرَانِ لَوْ كَانَا عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ فَأَجَابَ الْآخَرُ لَا يَصِحُّ لِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَاخْتَارَ غَيْرُ وَاحِدٍ كَالطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إنْ أَجَابَ عَلَى فَوْرِ كَلَامِهِ مُتَّصِلًا جَازَ. وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ النَّوَازِلِ: إذَا أَجَابَ بَعْدَمَا مَشَى خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ جَازَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا يَمْشِيَانِ مَشْيًا مُتَّصِلًا لَا يَقَعُ الْإِيجَابُ إلَّا فِي مَكَان آخَرَ بِلَا شُبْهَةٍ، وَلَوْ كَانَ الْمُخَاطَبُ فِي صَلَاةِ فَرِيضَةٍ فَفَرَغَ مِنْهَا وَأَجَابَ صَحَّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي نَافِلَةٍ فَضَمَّ إلَى رَكْعَةِ الْإِيجَابِ أُخْرَى ثُمَّ قَبِلَ جَازَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكْمَلَهَا أَرْبَعًا. وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ كُوزٌ فَشَرِبَ ثُمَّ أَجَابَ جَازَ، وَكَذَا لَوْ أَكَلَ لُقْمَةً لَا يَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ إلَّا إذَا اشْتَغَلَ بِالْأَكْلِ، وَلَوْ نَامَا جَالِسَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ، وَلَوْ مُضْطَجِعَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَهِيَ فُرْقَةٌ. وَالسَّفِينَةُ كَالْبَيْتِ، فَلَوْ عَقَدَا وَهِيَ تَجْرِي فَأَجَابَ الْآخَرُ لَا يَنْقَطِعُ الْمَجْلِسُ بِجَرَيَانِهَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ إيقَافَهَا. وَقِيلَ يَجُوزُ فِي الْمَاشِيَيْنِ أَيْضًا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِذَاتَيْهِمَا، أَمَّا الْمَسِيرُ بِلَا افْتِرَاقٍ فَلَا، وَهَكَذَا فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ بِعْتُك بِأَلْفٍ فَقَبِلَا فَهِيَ لِلثَّانِي لَا لِلْأَوَّلِ.
وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِكَذَا فَلَمْ يَقْبَلْ حَتَّى قَامَ الْبَائِعُ فِي حَاجَةٍ بَطَلَ (قَوْلُهُ وَالْكِتَابُ كَالْخِطَابِ، وَكَذَا الْإِرْسَالُ حَتَّى اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ بُلُوغِ الْكِتَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute