فَيُسْتَحَقُّ فِي الْعَقْدِ بِالشَّرْطِ، ثُمَّ فَوَاتُهُ يُوجِبُ التَّخْيِيرَ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِهِ دُونَهُ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ النَّوْعِ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ فِي الْأَغْرَاضِ، فَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِعَدَمِهِ بِمَنْزِلَةِ وَصْفِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَصَارَ كَفَوَاتِ
لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطُهُ بِمَعْنَى الْبَرَاءَةِ مِنْ وُجُودِهِ، وَهُوَ مَا لَيْسَ مَرْغُوبًا فِيهِ، فَعَلَى هَذَا يَتَفَرَّعُ مَا لَوْ بَاعَ نَاقَةً أَوْ شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ تَحْلِبُ كَذَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ زِيَادَةً مَجْهُولَةً لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهَا، حَتَّى لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا حَلُوبٌ جَازَ، كَمَا إذَا شَرَطَ فِي الْفَرَسِ أَنَّهُ هِمْلَاجٌ وَفِي الْكَلْبِ أَنَّهُ صَائِدٌ حَيْثُ يَصِحُّ، وَمِنْهُ شَرْطُ كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَشَرْطُ كَوْنِ الثَّمَنِ مَكْفُولًا بِهِ.
أَمَّا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ. قِيلَ لَا يَجُوزُ كَالنَّاقَةِ وَالشَّاةِ، وَقِيلَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ فِي الْجَوَارِي عَيْبٌ بِخِلَافِ الْبَهَائِمِ فَكَانَ ذِكْرُهُ لِلْبَرَاءَةِ عَنْ هَذَا الْعَيْبِ، وَقِيلَ إنْ اشْتَرَاهَا لِيَتَّخِذَهَا ظِئْرًا فَشَرَطَ أَنَّهَا حَامِلٌ يَعْنِي ذَكَرَ غَرَضَهُ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ زِيَادَةً مَجْهُولَةً فِي وُجُودِهَا غَرَرٌ فَكَانَتْ كَالنَّاقَةِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ جَازَ حَمْلًا لِقَصْدِ الْبَرَاءَةِ مِنْ عَيْبِ الْحَبَلِ وَمِنْهُ لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَوَجَدَهُ سَلِيمًا صَحَّ، وَكَانَ لَهُ. هَذَا وَمَذْهَبُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي شَرْطِ الْحَمْلِ فِي الْبَقَرِ وَالْجَارِيَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ.
وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي اشْتِرَاطِ أَنَّهَا حَلُوبَةٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ هُنَا أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ اللَّبَنُ، قَالَ مُحَمَّدٌ فِي مَسْأَلَتِنَا: فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَوَجَدَهُ كَاتِبًا أَوْ خَبَّازًا عَلَى أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ لَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكَاتِبِ وَالْخَبَّازِ: أَعْنِي الِاسْمَ الَّذِي يُشْعِرُ بِالْحِرْفَةِ، فَإِنْ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ بِأَنْ يَكْتُبَ شَيْئًا يَسِيرًا نَاقِصًا فِي الْوَضْعِ أَوْ يَخْبِزُ قَدْرَ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ الْهَلَاكَ بِأَكْلِهِ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْهُ كَمَا ذَكَرَ وَامْتَنَعَ الرَّدُّ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِأَنْ يُقَوَّمَ الْعَبْدُ كَاتِبًا وَغَيْرَ كَاتِبٍ فَيَرْجِعُ بِالتَّفَاوُتِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي بِالشَّرْطِ لَا بِالْعَقْدِ، وَتَعَذُّرُ الرَّدِّ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ فَكَذَا هَذَا، وَالصَّحِيحُ مَا فِي ظَاهِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute