للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَخِيَارُ الشَّرْطِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. وَلَوْ سُلِّمَ فَالْمُوَكِّلُ لَا يَمْلِكُ التَّامَّ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِقَبْضِهِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْخِيَارِ يَكُونُ بَعْدَهُ، فَكَذَا لَا يَمْلِكُهُ وَكِيلُهُ، وَبِخِلَافِ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَإِنَّمَا إلَيْهِ تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ، وَالتَّسْلِيمَ إذَا كَانَ رَسُولًا فِي الْبَيْعِ.

قَالَ (وَبَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا اشْتَرَى) لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ (ثُمَّ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِجَسِّهِ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالْجَسِّ، وَيَشُمُّهُ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالشَّمِّ، وَيَذُوقُهُ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالذَّوْقِ) كَمَا فِي الْبَصِيرِ (وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِي الْعَقَارِ حَتَّى يُوصَفَ لَهُ)

إلَّا مِنْ عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمْهُ الْوَكِيلُ، فَإِنْ كَانَ عَلِمَهُ يَجِبُ أَنْ يُبْطِلَ خِيَارَ الْعَيْبِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَلَمْ يُسَلِّمْ مَسْأَلَةَ خِيَارِ الْعَيْبِ. وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ إبْطَالَ خِيَارِ الْعَيْبِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.

وَقَوْلُهُ (وَخِيَارُ الشَّرْطِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ إلَخْ) يَعْنِي وَخِيَارُ الشَّرْطِ لَا نَصَّ فِيهِ، فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَهُ فَيَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْهِنْدُوَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ التَّامَّ لَا يَحْصُلُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ يُجِيزُ الْفَسْخَ فَلَا يَتِمُّ الْقَبْضُ مَعَ ذَلِكَ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ بِعَيْنِهِ (وَلَئِنْ سَلَّمَ) أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالْقَبْضِ التَّامِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ (فَالْمُوَكِّلُ لَا يَمْلِكُ التَّامَّ مِنْهُ) فَإِذَا فَرَضْنَا أَنَّ التَّامَّ لَا يَكُونُ مَعَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ فَلَا يَمْلِكُهُ الْوَكِيلُ (بِخِلَافِ الرَّسُولِ) بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا) مِنْ الْقَبْضِ لَا التَّامِّ وَلَا النَّاقِصِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْقَبْضِ بَلْ بِأَدَاءِ الرِّسَالَةِ، وَلِذَا لَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ أَيْضًا، وَصُوَرُ الْإِرْسَالِ فِي الْبَيْعِ تَقَدَّمَتْ أَوَائِلَ كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَصُورَتُهَا بِالشِّرَاءِ أَنْ يَقُولَ قُلْ لِفُلَانٍ إنِّي اشْتَرَيْت مِنْك كَذَا وَكَذَا بِمُعَيَّنِ كَذَا وَكَذَا

(قَوْلُهُ وَبَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ) بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ إلَّا فِي السَّلَمِ، وَالشِّرَاءُ يُمَدُّ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ، وَيَقْصُرُ لِأَهْلِ نَجْدٍ (وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا اشْتَرَى؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ) فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ «مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ» (وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) فِي أَوَّلِ الْبَابِ؛ وَلِأَنَّ النَّاسَ تَعَارَفُوا مُعَامَلَةَ الْعُمْيَانِ بَيْعًا وَشِرَاءً، وَالتَّعَارُفُ بِلَا نَكِيرٍ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ بِمَنْزِلَةِ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ (ثُمَّ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِجَسِّهِ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالْجَسِّ) كَالشَّاةِ (وَيَشُمُّهُ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالشَّمِّ) كَالطِّيبِ (وَبِذَوْقِهِ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالذَّوْقِ) كَالْعَسَلِ. وَقَوْلُهُ (كَمَا فِي الْبَصِيرِ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْبَصِيرَ إذَا لَمْ يَرَ الْمَبِيعَ وَلَكِنْ شَمَّهُ فَقَطْ وَهُوَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالشَّمِّ كَالْمِسْكِ وَنَحْوِهِ فَرَضِيَ بِهِ ثُمَّ رَأَى فَلَا خِيَارَ لَهُ (وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِي الْعَقَارِ حَتَّى يُوصَفَ لَهُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>