(وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي رَدِّ مَا بَقِيَ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ، وَالِاسْتِحْقَاقُ
كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ قَالَ: لِأَنَّ تَمْيِيزَ الْمَعِيبِ مِنْ غَيْرِهِ يُوجِبُ زِيَادَةَ عَيْبٍ فِي الْمَعِيبِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُخْتَلِطًا بِالْجَيِّدِ يَكُونُ أَخَفَّ عَيْبًا مِمَّا إذَا انْفَرَدَ، فَلَوْ رُدَّ كَانَ مَعَ عَيْبٍ حَادِثٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ فَرَدَّ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ زِيَادَةَ عَيْبٍ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا التَّأْوِيلُ يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً.
وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّ رَجُلًا لَوْ اشْتَرَى أَعْدَالًا مِنْ تَمْرٍ فَوَجَدَ بِعِدْلٍ مِنْهَا عَيْبًا، فَإِنْ كَانَ التَّمْرُ كُلُّهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ التَّمْرَ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ، وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ رِوَايَةَ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ: لَوْ اشْتَرَى زِقَّيْنِ مِنْ سَمْنٍ أَوْ سَلَّتَيْنِ مِنْ زَعْفَرَانٍ أَوْ حِمْلَيْنِ مِنْ الْقُطْنِ أَوْ الشَّعِيرِ وَقَبَضَ الْجَمِيعَ لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا وَالْآخَرُ سَوَاءً، فَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهُ كُلَّهُ أَوْ يَتْرُكَ كُلَّهُ، فَقَدْ رَأَيْت كَيْفَ جَعَلَ التَّمْرَ أَجْنَاسًا مَعَ أَنَّ الْكُلَّ جِنْسُ التَّمْرِ، فَعَلَى هَذَا يَتَقَيَّدُ الْإِطْلَاقُ أَيْضًا فِي نَحْوِ الْحِنْطَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ صَعِيدِيَّةً وَبَحْرِيَّةً، وَهُمَا جِنْسَانِ يَتَفَاوَتَانِ فِي الثَّمَنِ وَالْعَجِينِ، وَيَتَقَيَّدُ إطْلَاقُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ فِي الْأَعْدَالِ يَرُدُّ الْمَعِيبَ خَاصَّةٌ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ بَاقِي الْأَعْدَالِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِمَّا هُوَ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ مُطْلَقِ جِنْسِهِ بِأَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَعْدَالِ بَرْنِيًّا وَبَعْضُهَا لِبَانَةً فَيَرُدُّ ذَلِكَ خَاصَّةً، أَمَّا إذَا كَانَ الْأَعْدَالُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَكُونَ كُلُّهَا بَرْنِيًّا أَوْ صَيْحَانِيًّا أَوْ لِبَانَةً أَوْ عِرَاقِيَّةً فَيَرُدُّ الْكُلَّ وَالصُّبْرَةُ كَالْعِدْلِ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَثُرَتْ لِجَرَيَانِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وَجْهِ مَنْعِ رَدِّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ فِيهَا.
(قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ) أَيْ بَعْضَ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي رَدِّ مَا بَقِيَ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَرُدَّهُ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهُ رَدُّهُ دَفْعًا لِضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ (وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ) لَا فِي الْقِيمَةِ وَلَا فِي الْمَنْفَعَةِ، أَمَّا فِي الْقِيمَةِ فَإِنَّ الْمُدَّ مِنْ الْقَمْحِ يُبَاعُ عَلَى وِزَانِ مَا يُبَاعُ بِهِ الْإِرْدَبُّ وَالْغِرَارَةُ، وَأَمَّا فِي الْمَنْفَعَةِ فَظَاهِرٌ فَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُفْصَلُ يَصِيرُ مَعِيبًا بِتَبْعِيضِهِ فَإِنَّ الْفَضْلَةَ مِنْ الثَّوْبِ كَالذِّرَاعِ إذَا نُودِيَ عَلَيْهِ فِي السُّوقِ لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ مُتَّصِلًا بِبَاقِي الثَّوْبِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُفْصَلُ كَالْعَبْدِ يَصِيرُ مَعِيبًا بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ، بِخِلَافِ الْمَكِيلِ لَا يَتَعَيَّبُ بِالشَّرِكَةِ فَإِنَّهُمَا إنْ شَاءَا اقْتَسَمَاهُ فِي الْحَالِ وَانْتَفَعَ كُلٌّ بِنَصِيبِهِ كَمَا يَجِبُ وَمُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ خَفِيفَةٌ وَقَدْ تَكُونُ بِكَيْلِ عَبْدِهِمَا وَغُلَامِهِمَا (وَقَوْلُهُ وَالِاسْتِحْقَاقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute