للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّخِيلِ مِنْ الْمُعْرِي بِتَمْرٍ مَجْذُوذٍ، وَهُوَ بَيْعٌ مَجَازًا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَيَكُونُ بُرًّا مُبْتَدَأً.

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَزَةِ).

فِي بَيْعِ الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا». وَفِي لَفْظٍ «رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُؤْخَذَ بِمِثْلِ خَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُهَا رُطَبًا» وَوَافَقَ الشَّافِعِيُّ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُبِحْهَا إلَّا لِلضَّرُورَةِ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: جَاءَتْ هَذِهِ الْآثَارُ وَتَوَاتَرَتْ فِي الرُّخْصَةِ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فَقِبَلَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ جَمِيعًا وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي صِحَّةِ مَجِيئَهَا وَلَكِنَّهُمْ تَنَازَعُوا فِي تَأْوِيلِهَا، فَقَالَ قَوْمٌ: الْعَرَايَا أَنْ يَكُونَ لَهُ النَّخْلَةُ أَوْ النَّخْلَتَانِ فِي وَسَطِ النَّخْلِ الْكَثِيرِ لِرَجُلٍ آخَرَ. قَالُوا: وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إذَا كَانَ وَقْتُ الثِّمَارِ خَرَجُوا بِأَهْلَيْهِمْ إلَى حَوَائِطِهِمْ فَيَجِيءُ صَاحِبُ النَّخْلَةِ أَوْ النَّخْلَتَيْنِ فَيَضُرُّ ذَلِكَ بِصَاحِبِ النَّخْلِ الْكَثِيرِ فَرَخَّصَ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ أَنْ يُعْطِيَهُ خَرْصَ مَالِهِ مِنْ ذَلِكَ تَمْرًا لِيَنْصَرِفَ هُوَ وَأَهْلُهُ عَنْهُ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: فِيمَا سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ أَبِي عِمْرَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ نَخْلَةً مِنْ نَخْلِهِ فَلَا يُسَلِّمْ ذَلِكَ إلَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ فَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ ذَلِكَ وَيُعْطِيَهُ مَكَانَهُ بِخَرْصِهِ تَمْرًا. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَشْبَهُ وَأَوْلَى مِمَّا قَالَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ الْعَرِيَّةَ إنَّمَا هِيَ الْعَطِيَّةُ: أَلَا تَرَى إلَى الَّذِي مَدَحَ الْأَنْصَارَ كَيْفَ مَدَحَهُمْ إذْ يَقُولُ:

فَلَيْسَتْ بِسَنْهَاءَ وَلَا رَجَبِيَّةٍ … وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْحَوَائِجِ

أَيْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُعْرُونَ فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحَ: أَيْ يَهَبُونَ وَلَوْ كَانَتْ كَمَا قَالَ مَا كَانُوا مَمْدُوحِينَ بِهَا إذْ كَانُوا يُعْطُونَ كَمَا يُعْطُونَ. وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ مُحَقِّقُو مَذْهَبِهِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْعَرِيَّةَ مَشْهُورَةٌ بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُتَدَاوِلَةٌ بَيْنَهُمْ كَذَلِكَ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِمْ تَكُونُ الْعَرِيَّةُ مَعْنَاهَا النَّخْلَةُ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ، وَتَخْصِيصُ مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعْرُونَ هَذَا الْمِقْدَارَ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ وَمَعْنَى الرُّخْصَةِ هُوَ رُخْصَةُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إخْلَافِ الْوَعْدِ الَّذِي هُوَ ثُلُثُ النِّفَاقِ إعْطَاءُ هَذَا التَّمْرِ خَرْصًا وَهُوَ غَيْرُ الْمَوْعُودِ دَفْعًا لِلضُّرِّ عَنْهُ. وَكَوْنُ إخْلَافِ الْوَعْدِ ثُلُثَ النِّفَاقِ نُقِلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ زَوِّجُوا بِنْتِي مِنْ فُلَانٍ، فَإِنَّهُ كَانَ سَبَقَ إلَيْهِ مِنِّي شِبْهُ الْوَعْدِ فَلَا أَلْقَى اللَّهَ بِثُلُثِ النِّفَاقِ وَجَعَلَهُ ثُلُثًا لِحَدِيثٍ عَنْهُ «عَلَامَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إنْ حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِنْ وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِنْ اُؤْتُمِنَ خَانَ» وَأَمَّا مَا ذَكَرَ مِنْ تَأْوِيلِ الْعَرِيَّةِ الْإِمَامُ مُوَفَّقُ الدِّينِ رَوَى مَحْمُودُ بْنُ لَبِيَدٍ قَالَ: «قُلْت لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ؟ فَسَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَبْتَاعُونَ بِهِ رُطَبًا يَأْكُلُونَهُ وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ مِنْ التَّمْرِ، فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَبْتَاعُوا الْعَرِيَّةَ بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ فَيَأْكُلُونَهُ رُطَبًا» وَقَالَ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَقَدْ وَهَمَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بَلْ وَلَا فِي السُّنَنِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ. قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ مُخَرِّجُ الْحَدِيثِ: وَلَمْ أَجِدْ لَهُ سَنًا بَعْدَ الْفَحْصِ الْبَالِغِ، وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ فِي بَابِ الْعَرَايَا مِنْ غَيْرِ إسْنَادٍ

(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ وَالْمُلَامَسَةِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>