فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ صَحَّ الْبَيْعُ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَقَالَا: يَبْقَى فَاسِدًا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا كَمَا إذَا تَلِفَ بِوَجْهٍ آخَرَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ لَا يُلَائِمُ الْعَقْدَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ حُكْمِهِ يُلَائِمُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ لِلْمِلْكِ وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ، وَلِهَذَا لَا يَمْنَعُ الْعِتْقُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ، فَإِذَا تَلِفَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُلَاءَمَةُ فَيَتَقَرَّرُ الْفَسَادُ، وَإِذَا وُجِدَ الْعِتْقُ تَحَقَّقَتْ الْمُلَاءَمَةُ فَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْجَوَازِ فَكَانَ الْحَالُ قَبْلَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا
كَيْفَمَا وُجِدَ وَهُوَ مَذْهَبُهُ وَلِهَذَا خَصَّهُ بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ. وَجَوَابُهُ أَنْ لَيْسَ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ أَصْلًا أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ بَلْ كَانَ عَلَى وَعْدِ الْعِتْقِ مِنْهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ مِنْ تَخْصِيصِ مَنْعِ بَيْعٍ بِشَرْطٍ فِي شَيْءٍ وَلَا يَصْلُحُ الْبَيْعُ مِمَّنْ يُظَنُّ عِتْقُهُ أَصْلًا لِقِيَاسِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ عِتْقِهِ لِعَدَمِ الْجَامِعِ، وَنَسَمَةً مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ بِمَعْنَى مُعَرَّضًا لِلْعِتْقِ، وَعَبَّرَ بِالنَّسَمَةِ عَنْهُ لِكَثْرَةِ ذِكْرِهَا فِيمَا إذَا أُعْتِقَتْ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ ﷺ «فَكَّ الرَّقَبَةَ وَأَعْتَقَ النَّسَمَةَ» فَصُيِّرَتْ كَالِاسْمِ لَمَّا عَرَضَ لِلْعِتْقِ فَعُومِلَتْ مُعَامَلَةَ الْأَسْمَاءِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِمَعْنَى الْفِعْلِ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي إلَخْ).
هَذَا فَرْعٌ عَلَى قَوْلِنَا بِفَسَادِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِهَذَا الشَّرْطِ لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَمَا قَبَضَهُ عَتَقَ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَجَعَ الْبَيْعُ صَحِيحًا حَتَّى يَجِبَ الثَّمَنُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَعُودُ صَحِيحًا فَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ.
وَأَمَّا لَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَعْتِقُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ تَلِفَ بَعْدَ أَنْ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ (فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا كَمَا لَوْ تَلِفَ بِوَجْهٍ آخَرَ) مِنْ مَوْتٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَقِيَاسًا عَلَى تَدْبِيرِهِ وَاسْتِيلَادِهَا فَإِنَّ هُنَاكَ الضَّمَانَ بِالْقِيمَةِ اتِّفَاقًا فَهُوَ أَوْفَى بِالشَّرْطِ اعْتِبَارًا لِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ بِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ) وَإِنْ كَانَ (لَا يُلَائِمُ الْعَقْدَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْعَقْدِ الْإِطْلَاقُ فِي التَّصَرُّفِ وَالتَّخْيِيرُ إلَى آخِرِهِ (وَلَكِنَّهُ مِنْ حَيْثُ حُكْمِهِ) وَهُوَ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ (يُلَائِمُهُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْعِتْقَ (مِنْهُ لِلْمِلْكِ) الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْبَيْعِ (وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ) وُجُودُهُ. وَالْفَاسِدُ لَا تَقَرُّرَ لَهُ فَكَانَ صَحِيحًا (وَلِهَذَا لَا يَمْنَعُ الْعِتْقُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ) إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَ بِوَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِهِ هَذَا الشَّرْطُ مُلَائِمًا فَيَبْقَى عَلَى مُجَرَّدِ جِهَتِهِ الْمُفْسِدَةِ، وَلِذَا لَوْ مَاتَ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ بِمَوْتِهِ لَا يَصِيرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute