أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ﵀، إلَّا أَنَّ الْمَالِكَ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَبِيعَ وَهَؤُلَاءِ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ أَنْفُسَهُمْ رَدُّوا الْبَيْعَ فَكَانَ هَذَا إشَارَةً إلَى الْبَقَاءِ، كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ شَرْطَ الْقَبُولِ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ وَلَا بَيْعًا بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ فِيهِ
أَيْضًا فَدَخَلَتْ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (إلَّا أَنَّ الْمَالِكَ) أَيْ مَالِكَ الْعَبْدِ الْمَضْمُومَ إلَى عَبْدِ الْبَائِعِ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَبِيعَ وَهَؤُلَاءِ (بِاسْتِحْقَاقِهِمْ أَنْفُسَهُمْ رَدُّوا الْبَيْعَ) بَعْدَ وُجُودِهِ فِيمَا يَقْبَلُهُ، وَهَذَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْقَضَاءِ بِبَيْعِهَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ.
وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إجْمَاعَ التَّابِعِينَ اللَّاحِقَ هَلْ يَرْفَعُ خِلَافَ الصَّحَابَةِ السَّابِقَ عِنْدَهُمَا لَا يَقْوَى لِرَفْعِ خِلَافِ الصَّحَابَةِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَعَمْ، فَلِذَا صَحَّ الْقَضَاءُ بِبَيْعِهَا عِنْدَهُمَا نَظَرًا إلَى الْخِلَافِ. وَعِنْدَهُ لَا نَظَرًا إلَى الْإِجْمَاعِ وَارْتِفَاعِ الْخِلَافِ، مَعَ أَنَّ قَوْلَ عُبَيْدَةَ لِعَلِيٍّ ﵁ لَمَّا قَالَ بَدَا لِي رَأْيٌ أَنَّهُنَّ يُبَعْنَ فَقَالَ رَأْيُك فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِك وَحْدَك، ظَاهِرٌ فِي أَنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ كَانُوا عَلَى مَنْعِ بَيْعِهَا أَوْ كُلَّهُمْ إلَّا عَلِيًّا.
وَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ رُجُوعَ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّوْقِ وَالْجَارِيَةِ إذَا بَاعَهُمَا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الصَّرْفِ، فَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى رُجُوعِهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ إذْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَا يَتَّضِحُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ بَيْنَ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا وَبَيْنَ الذَّبِيحَةِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِضَعْفِ الْفَسَادِ فِي مَتْرُوكِهَا لِلِاجْتِهَادِ.
أُجِيبُ بِالْفَرْقِ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْقَضَاءُ، وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ بِهِ، وَالِاجْتِهَادُ فِيهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بَلْ نَفْسُ الِاجْتِهَادِ خَطَأٌ لِمُصَادَمَتِهِ ظَاهِرَ النَّصِّ. هَذَا، وَقَدْ يُجْعَلُ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ وَاتِّحَادِهَا، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ كِتَابِ الْبَيْعِ أَنَّ تَعَدُّدَهَا عِنْدَهُمَا بِتَعَدُّدِ الثَّمَنِ وَتَفْصِيلِهِ.
وَعِنْدَهُ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ التَّعَدُّدُ بَلْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ تَكْرَارِ لَفْظِ الْبَيْعِ.
وَمَا فِي الْأَخِيرَةِ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا فَصَّلَ الثَّمَنَ وَسَمَّى لِكُلٍّ ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ وَاتَّحَدَ الْبَاقِي كَانَتْ الصَّفْقَةُ مُتَّحِدَةً هُوَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَوْرَدَ مِنْ قَبْلَهُمَا أَنَّ قَبُولَ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَصِحُّ شَرْطٌ لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَلَا يَكُونُ مُفْسِدًا. أُجِيبَ بِمَنْعِ اشْتِرَاطِ النَّفْعِ فِي إفْسَادِ الشَّرْطِ أَوَّلًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، ثُمَّ لَوْ سَلِمَ فَفِيهِ نَفْعٌ؛ لِأَنَّ فِي قَبُولِهِ قَبُولَ بَدَلِهِ وَهُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَالْحُرُّ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَكُونُ بَدَلُهُ خَالِيًا عَنْ الْعِوَضِ فَيَكُونُ رِبًا.
وَقَوْلُهُ (وَكَانَ هَذَا) يَعْنِي رَدَّ الْبَيْعِ (إشَارَةٌ إلَى الْبَقَاءِ) يَعْنِي دُخُولَهُمْ تَحْتَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْبَيْعِ بِدُونِ انْعِقَادِهِ لَا يَصِحُّ، وَإِذَا خَرَجُوا بَعْدَ دُخُولِهِمْ لَا يَكُونُ فِيهِ بَيْعٌ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً بَلْ بَقَاءً كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ وَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِيهِ وَحْدَهُ وَتَجِبُ حِصَّةُ الْآخَرِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِذَا كَانَ الْمُدَبَّرُ وَمَا مَعَهُ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ جَمْعُهُ مَعَ الْقِنِّ يَتَضَمَّنُ اشْتِرَاطَ قَبُولِ الْعَقْدِ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute