للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَتَعَيَّنَانِ عَلَى الْعُقُودِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْعَقْدُ الثَّانِي بِعَيْنِهَا فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْخُبْثُ فَلَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ، وَهَذَا فِي الْخُبْثِ الَّذِي سَبَبُهُ فَسَادُ الْمِلْكِ، أَمَّا الْخُبْثُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَشْمَلُ النَّوْعَيْنِ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ حَقِيقَةً، وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ أَوْ تَقْدِيرُ الثَّمَنِ، وَعِنْدَ فَسَادِ الْمِلْكِ تَنْقَلِبُ الْحَقِيقَةُ شُبْهَةً وَالشُّبْهَةُ تَنْزِلُ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، وَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ النَّازِلِ عَنْهَا.

الْمِلْكِ فِي الْمُبْدَلِ، وَخُبْثٌ لِفَسَادِ الْمِلْكِ. فَالْخُبْثُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ يَعْمَلُ فِي النَّوْعَيْنِ حَتَّى أَنَّ الْغَاصِبَ أَوْ الْمُودَعَ إذَا تَصَرَّفَا فِي الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ وَهُمَا عَرَضٌ أَوْ نَقْدٌ وَأَدَّيَا ضَمَانَهُمَا وَفَضَلَ رِبْحٌ وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَالِ الْغَيْرِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ فَيَثْبُتُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْخُبْثِ، وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ بَدَلَ مَالِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ بَلْ بِمِثْلِهِ فِي الذِّمَّةِ، لَكِنَّهُ إنَّمَا تَوَسَّلَ إلَى الرِّبْحِ بِالْمَغْصُوبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ فَتَمَكَّنَ فِيهِ شُبْهَةُ الرِّبْحِ بِمَالِ الْغَيْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ أَنَّ نَقْدَ الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ تَقْدِيرَ الثَّمَنِ إنْ أَشَارَ إلَى الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ وَنَقَدَ مِنْ غَيْرِهَا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مُعْتَبَرَةٌ كَالْحَقِيقَةِ فِي أَبْوَابِ الرِّبَا، وَالْخُبْثَ لِفَسَادِ الْمِلْكِ دُونَ الْخُبْثِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَيُوجِبُ شُبْهَةَ الْخُبْثِ فِيمَا يُوجِبُ فِيهِ عَدَمُ الْمِلْكِ حَقِيقَةَ الْخُبْثِ، وَهُوَ مَا يَتَعَيَّنُ كَالْجَارِيَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَيَتَعَدَّى إلَى بَدَلِهَا.

وَشُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فِيمَا يُوجِبُ فِيهِ عَدَمُ الْمِلْكِ الشُّبْهَةَ وَهُوَ مَا لَا يَتَعَيَّنُ، وَشُبْهَةُ الشُّبْهَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الشُّبْهَةِ خِلَافُ الْأَصْلِ بِالنَّصِّ وَهُوَ نَهْيُهُ عَنْ الرِّبَا وَالرِّيبَةِ فَلَا يَتَعَدَّى، وَإِلَّا اُعْتُبِرَ مَا دُونَهَا كَشُبْهَةِ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَهَلُمَّ فَيَنْسَدُّ بَابُ التِّجَارَةِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ، فَلِذَا قَالَ: يَتَصَدَّقُ الْمُشْتَرِي بِالرِّبْحِ فِيهَا وَيَطِيبُ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ عَلَى الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ: إنَّهُ لَا تَتَعَيَّنُ النُّقُودُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ تَتَعَيَّنُ فَحُكْمُ الرِّبْحِ فِي النَّوْعَيْنِ كَالْغَصْبِ لَا يَطِيبُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ رِوَايَةَ التَّعْيِينِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ هُوَ الْأَصَحُّ، فَحِينَئِذٍ الْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ عَلَى الْبَائِعِ أَيْضًا بِمَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ فِي طَيِّبِ الرِّبْحِ صَرِيحُ الرِّوَايَةِ فِي الْجَامِعِ، فَإِنَّ فِيهِ مُحَمَّدًا عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا بِأَلْفٍ وَتَقَابَضَا وَرَبِحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا قَبَضَ قَالَ: يَتَصَدَّقُ الَّذِي قَبَضَ الْجَارِيَةَ بِالرِّبْحِ وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلَّذِي قَبَضَ الدَّرَاهِمَ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا كَمَا قَالَ.

وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ) أَيْ عُقُودِ الْبِيَاعَاتِ، بِخِلَافِ مَا سِوَاهَا مِنْ الشَّرِكَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمَا اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ وَالشَّرِكَةِ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ لَفْظُ الْبِيَاعَاتِ أَوْ الْمُعَاوَضَاتِ مَذْكُورًا لِلْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>