وَلَا يُحْتَمَلُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَاللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُ ضِدَّهُ فَتَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ، وَكَوْنُهُ بَيْعًا فِي حَقِّ الثَّالِثِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ مِثْلُ حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ لَا مُقْتَضَى الصِّيغَةِ، إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا، إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ: إذَا شَرَطَ الْأَكْثَرَ فَالْإِقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ
بِالتَّرَاضِي لَا لِثُبُوتِ اللَّوَازِمِ الْخَارِجِيَّةِ، قُلْنَا: إنَّمَا نُرِيدُ بِالْبَيْعِ مَا كَانَ مُفِيدًا لِهَذِهِ الْمُبَادَلَةِ ابْتِدَاءً لَا تَرَاجُعًا بِطَرِيقِ الرَّفْعِ حُكْمًا عَلَى الشَّرْعِ بِذَلِكَ: أَيْ بِأَنَّهُ وُضِعَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَإِلَّا رَجَعَ إلَى مُجَرَّدِ الِاصْطِلَاحِ، عَلَى أَنَّ مُسَمَّى لَفْظِ الْبَيْعِ هُوَ الْمُبَادَلَةُ مُطْلَقًا شَرْعًا أَوْ بِقَيْدِ أَنْ لَا يَكُونَ تَرَاجُعًا، وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الِاصْطِلَاحِ فِي الْأَلْفَاظِ، بَقِيَ أَمْرٌ آخَرُ هُوَ أَنَّهَا لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي الْبَيْعِ مَجَازًا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْفَسْخِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ أَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَحْتَمِلُ ابْتِدَاءَ الْبَيْعِ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الرَّفْعَ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ (ضِدُّهُ) أَيْ ضِدُّ الْعَقْدِ أَوْ نَقِيضُهُ فَلَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ.
وَهَذَا طَرِيقُ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ فِي الضِّدِّ إنَّمَا يَكُونُ لِتَهَكُّمٍ أَوْ تَمْلِيحٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْفِقْهِ أَوْ يَكُونُ لِمُشَاكَلَتِهِ لِلَفْظٍ وَقَعَ فِي صُحْبَتِهِ كَ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ، وَلَيْسَ هُنَا ذَلِكَ (فَتَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ، وَكَوْنُهُ بَيْعًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ) لَيْسَ بِاعْتِبَارِ جَعْلِنَا إيَّاهُ مَجَازًا عَنْهُ، وَلَكِنْ (لِأَمْرٍ ضَرُورِيٍّ) وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ (بِهِ مِثْلُ حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ) بِبَدَلٍ ظَهَرَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا لِيَصْرِفَا مُوجَبَ الْبَيْعِ عَنْهُ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِمَا وَيَظْهَرُ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَلِئَلَّا يَفُوتَ مَقْصُودُ الشَّارِعِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَالشُّفْعَةِ شُرِعَتْ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ أَوْ الْخِلْطَةِ، فَإِذَا فُرِضَ ثُبُوتُ ذَلِكَ فِي عَوْدِهَا إلَى الْبَائِعِ وَلَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الشُّفْعَةِ تَخَلَّفَ مَقْصُودُهُ (قَوْلُهُ إذَا ثَبَتَ هَذَا) أَيْ هَذَا الْخِلَافُ فِي هَذَا الْأَصْلِ (فَنَقُولُ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ) إذَا شَرَطَا (فِي الْإِقَالَةِ) الْأَكْثَرَ (كَأَنْ تَقَايَلَا عَلَى مِائَةٍ) وَالْبَيْعُ بِخَمْسِينَ (فَالْإِقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَبْطُلُ شَرْطُ الزِّيَادَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute