(قَالَ وَهَلَاكُ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ مِنْهَا)؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْبَيْعِ يَسْتَدْعِي قِيَامَهُ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْبَيْعِ دُونَ الثَّمَنِ
الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بَاعَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا جَازَ الْبَيْعُ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ لَا الْفَسْخُ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ.
وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُولٍ جَازَ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَثَمَرَةُ كَوْنِهَا بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فِي مَوَاضِعَ أَيْضًا: مِنْهَا أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ عَقَارًا لَهُ شَفِيعٌ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ ثُمَّ تَقَايَلَا وَعَادَ إلَى مِلْكِ الْبَائِع لِلشَّفِيعِ أَنْ يَطْلُبَ الشُّفْعَةَ فِي الْإِقَالَةِ اتِّفَاقًا، وَمِنْهَا أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ صَرْفًا كَانَ التَّقَابُضُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْإِقَالَةِ لِإِقَالَةِ مُسْتَحِقِّ الشَّرْعِ فَكَانَتْ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الشَّرْعِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَقَبَضَهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ ثُمَّ تَقَايَلَا وَعَادَ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ قَبْلَ النَّقْدِ جَازَ وَيُجْعَلُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ كَأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَمِنْهَا أَنَّ السِّلْعَةَ لَوْ كَانَتْ هِبَةً فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ تَقَايَلَا فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَائِعَ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ.
(قَوْلُهُ وَهَلَاكُ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ مِنْهَا) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمَبِيعَ مَالٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ مُتَعَيِّنٌ، بِخِلَافِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا لَيْسَ بِمَالٍ بَلْ دَيْنٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فِيمَا إذَا لَمْ يَشْرَعْ إلَى نَقْدٍ، وَإِمَّا مَالٌ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً فِيمَا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَلْ بِمِثْلِهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَالدَّيْنُ مَالٌ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً، وَلِذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ تَصِحُّ بِلَا قَبُولٍ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ غَيْرَ أَنَّهَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِلْمَالِيَّةِ الْحُكْمِيَّةِ، وَهِبَةُ الْعَيْنِ لَا تَصِحُّ بِلَا قَبُولٍ بِحَالٍ، وَلَا تَتَأَدَّى زَكَاةُ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ، أَنْقَصُ مِنْ الْعَيْنِ فِي الْمَالِيَّةِ وَلَا يَتَأَدَّى الْكَامِلُ بِالنَّاقِصِ، وَلِذَا لَمْ يَحْنَثْ مَنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دُيُونٌ عِظَامٌ، وَإِذَا كَانَ لِلْمَبِيعِ هَذِهِ الْمَزِيَّةُ وَجَبَ إظْهَارُهَا، وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ سَوَاءٌ، فَأَظْهَرْنَاهَا فِي الْبَقَاءِ فَجَعَلْنَا بَقَاءَ الْبَيْعِ حُكْمًا مُضَافًا إلَى قِيَامِ الْمَبِيعِ، فَإِذَا هَلَكَ ارْتَفَعَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الدَّرَاهِمُ بَاقِيَةً فَامْتَنَعَتْ الْإِقَالَةُ، إذْ رَفْعُ مَا لَا وُجُودَ لَهُ لَا يُتَصَوَّرُ.
وَإِنَّمَا جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِيمَا إذَا كَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ عَرْضًا مُعَيَّنًا وَقَبَضَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ ثُمَّ هَلَكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ السَّلَمَ فِي هَذَا كَبَيْعِ الْمُقَايَضَةِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ شَرْعًا مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَقَدْ اعْتَبَرَ الْعَيْنَ ثَمَنًا وَالدَّيْنَ عَيْنًا مَبِيعًا، وَلِذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَجَازَتْ الْإِقَالَةُ، وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْهَالِكِ أَوْ مِثْلَهُ فِي الْإِقَالَةِ كَمَا فِي حَقِيقَةِ الْمُقَايَضَةِ كَمَا سَنَذْكُرُ، أَمَّا لَوْ تَقَايَلَا وَالْبَدَلَانِ قَائِمَانِ ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا أَيًّا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute