للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْبَيْعَانِ جَائِزَانِ؛

نَقْلُ مَا مَلَكَهُ مِمَّا هُوَ بِبَيْعٍ مُتَعَيِّنٍ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ كَوْنَ مُقَابِلِهِ ثَمَنًا مُطْلَقًا يُفِيدُ أَنَّ مَا مَلَكَهُ بِالضَّرُورَةِ مَبِيعٌ مُطْلَقًا ثُمَّ إنَّمَا لَمْ تَجُزْ الْمُرَابَحَةُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَدَلَيْ الصَّرْفِ لَا يَتَعَيَّنَانِ فَلَمْ تَكُنْ عَيْنُ هَذِهِ الدَّنَانِيرِ مُتَعَيِّنَةً لِتَلْزَمَ مَبِيعًا، وَاَلَّذِي يَلْزَمُ وُرُودُهُ عَلَى التَّقْدِيرِ الَّذِي صَحَّحْنَا بِهِ الْإِيرَادَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ يَصْدُقُ النَّقْلُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ فِيهِ أَجَلٌ فَالثَّمَنُ الْأَوَّلُ بِمُقَابَلَةِ شَيْئَيْنِ فَلَمْ يَصْدُقْ فِي أَحَدِهِمَا أَنَّهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى الطَّرْدِ، وَكَوْنُ الْمُرَابَحَةِ غَيْرَ صَحِيحَةٍ هُوَ مَعْنَى عَدَمِ وُجُودِهَا شَرْعًا فَيُرَدُّ السُّؤَالُ، وَعَلَى عَكْسِهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى مَا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ فَقُضِيَ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ ثُمَّ عَابَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْقِيمَةِ الَّتِي أَدَّاهَا فَهَذَا بَيْعُ مُرَابَحَةٍ، وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا إذَا بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِمَا قَامَ عَلَيْهِ.

وَكَذَا لَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَقَوَّمَهُ قِيمَتَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى تِلْكَ الْقِيمَةِ أَنَّهُ يَجُوز، وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ: قِيمَتُهُ كَذَا أَوْ رَقْمُهُ كَذَا فَأُرَابِحُكَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ رَقْمِهِ، وَمَعْنَى الرَّقْمِ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى الثَّوْبِ الْمُشْتَرَى مِقْدَارًا سَوَاءٌ كَانَ قَدْرَ الثَّمَنِ أَوْ أَزْيَدَ ثُمَّ يُرَابِحَهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ إذَا قَالَ رَقْمُهُ كَذَا وَهُوَ صَادِقٌ لَمْ يَكُنْ خَائِنًا، فَإِنْ غَبَنَ الْمُشْتَرِيَ فِيهِ فَمِنْ قِبَلِ جَهْلِهِ، وَأُجِيبَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْغَصْبَ مُلْحَقٌ بِالْمُعَاوَضَاتِ، وَلِذَا صَحَّ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِهِ لَمَّا كَانَ إقْرَارُهُ بِالْمُعَاوَضَاتِ جَائِزًا فَالْقِيمَةُ بِالْقَضَاءِ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ.

وَصَرَّحَ فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ أَنَّهُ يَقُولُ قَامَ عَلِيَّ كَذَا، وَجَوَابُ الثَّانِيَةِ يَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَالثَّالِثَةُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ مَبْنَى الْمُرَابَحَةِ عَلَى عَدَمِ الْخِيَانَةِ، وَهُوَ إذَا قَالَ قِيمَتُهُ كَذَا أَوْ رَقْمُهُ كَذَا وَهُوَ صَادِقٌ لَمْ يَكُنْ خَائِنًا، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَدْفَعْ مَا عَلَى عَكْسِ الْحَدِّ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَابَحَةَ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ وَلَا ثَمَنَ سَابِقٌ أَصْلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمِمَّا يُرَدُّ أَيْضًا مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَبْدًا مَثَلًا فَبَاعَ الْمَبِيعَ مُرَابَحَةً عَلَى الْعَبْدِ مِمَّنْ صَارَ إلَيْهِ الْعَبْدُ بِرِبْحٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُرَابَحَةً، وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ بِعَيْنِهِ لَا بِمِثْلِهِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا الْعَبْدَ فِي حُكْمِ عَبْدٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْبَابِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْأَعْيَانِ.

(قَوْلُهُ وَالْبَيْعَانِ جَائِزَانِ) اسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِمَا بِالْمَعْنَى وَعَلَى التَّوْلِيَةِ بِالنَّصِّ فَقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ إلَى آخِرِهِ، وَفِي التَّوْلِيَةِ أَحَادِيثُ لَا شُبْهَةَ فِيهَا: مِنْهَا مَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ «التَّوْلِيَةُ وَالْإِقَالَةُ وَالشَّرِكَةُ سَوَاءٌ» لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي مُرْسَلِ سَعِيدٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ النَّبِيِّ حَدِيثًا مُسْتَفَاضًا بِالْمَدِينَةِ قَالَ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَسْتَوْفِيَهُ، إلَّا أَنْ يُشْرِكَ فِيهِ أَوْ يُوَلِّيَهُ أَوْ يُقِيلَهُ» وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ.

وَفِيهِ «إنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ : خُذْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، فَقَالَ : بِالثَّمَنِ» أَخْرَجَهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ قَالَ «قَدْ أَخَذْتهَا بِالثَّمَنِ» وَفِي الطَّبَقَاتِ لِابْنِ سَعْدٍ: «وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ اشْتَرَاهَا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ نَعَمِ بَنِي قُشَيْرٍ فَأَخَذَ إحْدَاهُمَا وَهِيَ الْقَصْوَاءُ»، فَمَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ يَصِحُّ بِالْمَعْنَى، وَتَفْصِيلُهُ قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ قَالَ فِيهَا «فَلَمَّا قَرَّبَ أَبُو بَكْرٍ الرَّاحِلَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ قَدَّمَ أَفْضَلَهُمَا ثُمَّ قَالَ لَهُ: ارْكَبْ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : لَا أَرْكَبْ بَعِيرًا لَيْسَ لِي، قَالَ: فَهِيَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَا وَلَكِنْ بِالثَّمَنِ الَّذِي ابْتَعْتهَا بِهِ قَالَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: قَدْ أَخَذْتهَا بِذَلِكَ، قَالَ هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرَكِبَا وَانْطَلَقَا».

ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>