للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ لَا يَبِيعُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، كَمَا إذَا احْتَبَسَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (فَأَمَّا إذَا فَقَأَ عَيْنَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ فَقَأَهَا أَجْنَبِيٌّ فَأَخَذَ أَرْشَهَا لَمْ يَبِعْهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ)؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ فَيُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا وَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ لِأَنَّ الْعُذْرَةَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ وَقَدْ حَبَسَهَا.

(وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَأَصَابَهُ قَرْضُ فَأْرٍ أَوْ حَرْقُ نَارٍ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، وَلَوْ تَكَسَّرَ بِنَشْرِهِ وَطَيِّهِ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ) وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ.

أَنَّهُ لَا يَبِيعُ) مُرَابَحَةً (مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، كَمَا إذَا احْتَبَسَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) وَزُفَرَ، وَالِاحْتِبَاسُ بِفِعْلِهِ مَحَلُّ الِاتِّفَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَأَمَّا إذَا فَقَأَ عَيْنَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ فَقَأَهَا أَجْنَبِيٌّ) بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ (فَأَخَذَ أَرْشَهَا لَمْ يَبِعْهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ) وَالتَّقْيِيدُ بِفَقْءِ الْمُشْتَرِي وَالْأَجْنَبِيِّ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ فَقَأَتْ عَيْنَهَا بِنَفْسِهَا فَإِنَّهُ كَمَا بِالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ هَدَرٌ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي حَابِسًا شَيْئًا، وَأَخْذُ الْأَرْشِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ إذَا أَعْوَرَهَا الْأَجْنَبِيُّ لَا يُرَابِحُ إلَّا بِبَيَانٍ لِتَحَقُّقِ وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَالْفَرْقُ لَنَا (أَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ) فَخَرَجَ عَنْ التَّبَعِيَّةِ بِالْقَصْدِيَّةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ (فَيُقَابَلُ بِبَعْضِ الثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا وَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ؛ لِأَنَّ الْعَذِرَةَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ يُقَابِلُهُمَا الثَّمَنُ وَقَدْ حَبَسَهَا).

(وَ) مِنْ هَذَا (لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَأَصَابَهُ قَرْضُ فَأْرٍ أَوْ حَرْقُ نَارٍ) أَوْ طَعَامًا فَتَغَيَّرَ (يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ) وَقَرْضٌ بِالْقَافِ وَذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ بِالْفَاءِ (وَلَوْ تَكَسَّرَ) الثَّوْبُ (بِطَيِّهِ وَنَشْرِهِ) لَزِمَهُ الْبَيَانُ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَقَوْلُ زُفَرَ أَجْوَدُ وَبِهِ نَأْخُذُ وَاخْتِيَارُهُ هَذَا حَسَنٌ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْمُرَابَحَةِ عَلَى عَدَمِ الْخِيَانَةِ وَعَدَمُ ذِكْرِهِ أَنَّهَا انْتَقَصَتْ إيهَامٌ لِلْمُشْتَرِي أَنَّ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ كَانَ لَهَا نَاقِصَةً، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ ثَمَنُهَا صَحِيحَةً لَمْ يَأْخُذْهَا مَعِيبَةً إلَّا بِحَطِيطَةٍ، وَقَدْ ذَكَرَ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ سَبَبَ شَرْعِيَّةِ الْمُرَابَحَةِ اعْتِمَادُ الْغَبِيِّ أَنَّ الثَّمَنَ قِيمَتُهَا حَيْثُ اشْتَرَى مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِهِ فَيَطِيبُ قَلْبُهُ بِشِرَائِهَا بِهِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ لِظَنِّهِ أَنَّهُ قِيمَتُهَا، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا يَرُومُ شِرَاءَهَا إلَّا بِقِيمَتِهَا كَيْ لَا يُغْبَنَ، وَأَنَّهُ لَوْ عَلِمَهُ لَمْ يَرْضَ فَكَانَ سُكُوتُهُ تَقْرِيرًا لَهُ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا مَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ إذَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ شَيْئًا يَسِيرًا.

فَإِنْ نَقَصَهُ قَدْرًا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً، يَعْنِي بِلَا بَيَانٍ، لَكِنَّ قَوْلَهُمْ هُوَ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ السِّعْرُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>