غَرَرُ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا بِالتَّعْيِينِ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ، قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ لِلْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ وَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَزِيدَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ وَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ) فَالزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ يَلْتَحِقَانِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ ﵀ لَا يَصِحَّانِ عَلَى اعْتِبَارِ الِالْتِحَاقِ، بَلْ عَلَى اعْتِبَارِ ابْتِدَاءِ الصِّلَةِ، لَهُمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الزِّيَادَةِ ثَمَنًا؛ لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ مِلْكَهُ عِوَضَ مِلْكِهِ فَلَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَكَذَا الْحَطُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ الثَّمَنِ صَارَ مُقَابَلًا بِكُلِّ الْمَبِيعِ فَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ فَصَارَ بِرًّا مُبْتَدَأً، وَلَنَا أَنَّهُمَا بِالْحَطِّ وَالزِّيَادَةِ يُغَيِّرَانِ الْعَقْدَ مِنْ
مُنِعَ بِالنَّصِّ لِغَرَرِ الِانْفِسَاخِ، وَلَيْسَ فِي الثَّمَنِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ وَسَائِرُ الدُّيُونِ كَالثَّمَنِ لِعَدَمِ الْغَرَرِ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ كَالْمَهْرِ وَالْأُجْرَةِ وَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَغَيْرِهَا.
وَاسْتِثْنَاءُ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ لِلْمَقْبُوضِ حُكْمَ عَيْنِ الْمَبِيعِ، وَالِاسْتِبْدَالُ بِالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا فِي الصَّرْفِ وَأَيَّدَهُ السَّمْعُ وَهُوَ مَا فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «كُنْت أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، فَأَتَيْت النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ حُجْرَتَهُ فَأَخَذْت بِثَوْبِهِ فَسَأَلْته فَقَالَ: إذَا أَخَذْت وَاحِدًا مِنْهَا بِالْآخَرِ فَلَا يُفَارِقْكَ وَبَيْنَك وَبَيْنَهُ بَيْعٌ، فَإِنَّ هَذَا بَيْعُ الثَّمَنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِالنَّقْدِ الْمُخَالِفِ لَهُ»، وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ سِمَاكٍ لَا يَضُرُّهُ وَإِنْ كَانَ شُعْبَةُ، قَالَ حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَرْفَعْهُ، وَحَدَّثَنِي دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَرْفَعْهُ، وَحَدَّثَنِي فُلَانٌ أَرَاهُ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَرْفَعْهُ، وَرَفَعَهُ سِمَاكٌ وَأَنَا أَهَابُهُ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ فِي تَعَارُضِ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ تَقْدِيمُ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ ابْنِ عُمَرَ وَشِدَّةِ اتِّبَاعِهِ لِلْأَثَرِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَقْتَضِي أَحَدَ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ مُسْتَمِرًّا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عَرَّفَهُ عَنْهُ ﷺ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ وَبَيْنَهُمَا بَيْعٌ مَعْنَاهُ دَيْنٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فَمَنَعَ النَّسِيئَةَ فِيهِ، وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَالصَّرْفُ فِيهِ جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَخْلُفُ الْمُوَرَّثَ فِي الْمِلْكِ وَكَانَ لِلْمَيِّتِ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ، فَكَذَا لِلْوَارِثِ وَكَذَا الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ.
(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ لِلْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ، وَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَزِيدَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ وَيَجُوزُ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ) وَسَنَذْكُرُ شَرْطَ كُلٍّ مِنْهُمَا (وَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ) مِنْ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَالزِّيَادَةِ حَتَّى كَانَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الزِّيَادَةَ إذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْنَعَ الزِّيَادَةَ وَلَا مُطَالَبَةَ الْبَائِعِ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ إعْطَائِهَا، وَلَوْ سَلَّمَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ رَجَعَ بِهَا مَعَ أَصْلِ الثَّمَنِ، وَفِي صُورَةِ الْحَطِّ لِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إذَا سَلَّمَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْحَطِّ (وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِحَّانِ) أَيْ الزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ (عَلَى اعْتِبَارِ الِالْتِحَاقِ) بِأَصْلِ الْعَقْدِ (بَلْ الزِّيَادَةُ بِرٌّ مُبْتَدَأٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute