وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً وَهُوَ رِبًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فُلَانًا إلَى سَنَةٍ حَيْثُ يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ مِنْ ثُلُثِهِ أَنْ يُقْرِضُوهُ وَلَا يُطَالِبُوهُ قَبْلَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالتَّبَرُّعِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى فَيَلْزَمُ حَقًّا لِلْمُوصِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
فِي الْحَالِ إذْ لَا تَأْجِيلَ فِي التَّبَرُّعِ (وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَصِحُّ) أَيْضًا (لِأَنَّهُ يَصِيرُ) بِهَذِهِ الْمُعَاوَضَةِ (بَيْعَ دَرَاهِمَ بِمِثْلِهَا نَسِيئَةً وَهُوَ رِبًا)؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ كَانَ التَّبَرُّعُ مُلْزِمًا عَلَى الْمُتَبَرِّعِ شَيْئًا كَالْكَفِّ عَنْ الْمُطَالَبَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ يُنَافِي مَوْضُوعَ التَّبَرُّعَاتِ، قَالَ تَعَالَى ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾ نَفَى السَّبِيلَ عَنْهُمْ عَلَى وَجْهِ نُصُوصِيَّةِ الِاسْتِغْرَاقِ، فَلَوْ لَزِمَ تَحَقُّقُ سَبِيلٍ عَلَيْهِ ثُمَّ لِلْمِثْلِ الْمَرْدُودِ حُكْمُ الْعَيْنِ كَأَنَّهُ رَدَّ الْعَيْنَ، وَلَوْلَا هَذَا الِاعْتِبَارُ كَانَ تَمْلِيكَ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ بِلَا قَبْضٍ فِي الْمَجْلِسِ فَلَزِمَ اعْتِبَارُهَا شَرْعًا كَالْعَيْنِ، وَإِذَا جُعِلَتْ كَالْعَيْنِ فَالتَّأْجِيلُ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَصِحُّ (بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِهِ أَلْفًا لِفُلَانٍ إلَى سَنَةٍ حَيْثُ يَلْزَمُ) ذَلِكَ (مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالتَّبَرُّعِ) فَيَلْزَمُ كَمَا تَلْزَمُ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ سَنَةً مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَعَارَ عَبْدَهُ أَوْ دَارِهِ سَنَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ فِي الْحَالِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ بَابَ الْوَصِيَّةِ أَوْسَعُ مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مَعْدُومَةً فِي الْحَالِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُوصِي وَنَظَرًا لَهُ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرَحْمَةً، وَلِلرَّحْمَةِ عَلَيْهِ أَجَازَهَا الشَّرْعُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى حَالِ زَوَالِ مِلْكِيَّتِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute