فَيَظْهَرُ الْفَضْلُ عَلَى ذَلِكَ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا، لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الْفَضْلُ الْمُسْتَحَقُّ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْخَالِي عَنْ عِوَضِ شَرْطٍ فِيهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا عُرْفًا، أَوْ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ سَدَّ بَابِ الْبِيَاعَاتِ، أَوْ لِقَوْلِهِ ﵊ «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» وَالطَّعْمُ وَالثَّمَنِيَّةُ مِنْ أَعْظَمِ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ، وَالسَّبِيلُ فِي مِثْلِهَا الْإِطْلَاقُ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا دُونَ التَّضْيِيقِ فِيهِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا ذَكَرَهُ.
فَيَظْهَرَ بِذَلِكَ الْفَضْلُ فَيَتَحَقَّقَ الرِّبَا، لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الْفَضْلُ الْمُسْتَحَقُّ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْخَالِي عَنْ عِوَضِ شَرْطٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَقْدِ، وَعَلِمْت أَنَّ الْخُلُوَّ فِي الْمُعَاوَضَةِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فَلَزِمَ مَا قُلْنَا مِنْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ مَعَ الْجِنْسِ (وَلَمْ يُعْتَبَرْ) فِي إثْبَاتِ الْمُمَاثَلَةِ عَدَمُ تَفَاوُتِ (الْوَصْفِ) إمَّا (لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا عُرْفًا) وَفِيهِ نَظَرٌ (أَوْ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ سَدَّ بَابِ الْبِيَاعَاتِ) وَهُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَخْلُو عِوَضَانِ مِنْ جِنْسٍ عَنْ تَفَاوُتٍ مَا فَلَمْ يُعْتَبَرْ.
وَقَوْلُهُ ﷺ «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» إنْ صَحَّ يُفِيدُهُ، وَإِلَّا فَهُوَ مُفَادٌ مِنْ حَدِيثِ بَيْعِ التَّمْرِ بِالْجَنِيبِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ، وَعِلَّةُ إهْدَارِهِ مَا ذَكَرْنَا، وَعِنْدَ تَأَمُّلِ هَذَا الْكَلَامِ يَتَبَادَرُ أَنَّ الْمُتَنَاظِرَيْنِ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ وَكَذَا مَالِكٌ عَيَّنُوا الْعِلَّةَ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ عَلَى شَرْعِ الْحُكْمِ، وَهَؤُلَاءِ عَيَّنُوا الْعِلَّةَ بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ لِلْحُكْمِ، فَإِنَّ الْكَيْلَ يُعَرِّفُ الْمُمَاثَلَةَ فَيُعْرَفُ الْجَوَازُ وَعَدَمَهَا فَيُعْرَفُ الْحُرْمَةُ.
فَالْوَجْهُ أَنْ يَتَّحِدَ الْمَحَلُّ وَذَلِكَ بِجَعْلِهَا الطُّعْمَ وَالِاقْتِيَاتَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرُوا عِنْدَهُمْ. وَعِنْدَنَا هِيَ قَصْدُ صِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَحِفْظِهَا عَلَيْهِمْ، وَظُهُورُ هَذَا الْقَصْدِ مِنْ إيجَابِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْمِقْدَارِ وَالتَّقَابُضِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى لُبٍّ فَضْلًا عَنْ فَقِيهٍ.
وَأَمَّا الطُّعْمُ فَرُبَّمَا يَكُونُ التَّعْلِيلُ بِهِ مِنْ فَسَادِ الْوَضْعِ لِأَنَّ الطُّعْمَ مِمَّا تَشْتَدُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ اشْتِدَادًا تَامًّا (وَالسَّبِيلُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْإِطْلَاقُ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ دُونَ التَّضْيِيقِ) فَإِنَّ السُّنَّةَ الْإِلَهِيَّةَ جَرَتْ فِي حَقِّ جِنْسِ الْإِنْسَانِ أَنَّ مَا كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَكْثَرَ كَانَ إطْلَاقُ الشَّرْعِ فِيهِ أَوْسَعَ كَالْمَاءِ وَالْكَلَإِ لِلدَّوَابِّ، فَإِنْ قَالَ: دَلَّ التَّرْتِيبُ عَلَى الْمُشْتَقِّ عَلَيْهِ، قُلْنَا: ذَلِكَ بِشَرْطِ كَوْنِهِ صَالِحًا مُنَاسِبًا لِلْحُكْمِ عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute