للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَبَدًا، وَإِنَّ تَرَكَ النَّاسُ الْكَيْلَ فِيهِ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ وَكُلُّ مَا نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهِ وَزْنًا فَهُوَ مَوْزُونٌ أَبَدًا، وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْوَزْنَ فِيهِ مِثْلُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ وَالْأَقْوَى لَا يُتْرَكُ بِالْأَدْنَى (وَمَا لَمْ يَنُصُّ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ) لِأَنَّهَا دَلَالَةٌ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ عَلَى خِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى ذَلِكَ لِمَكَانِ الْعَادَةِ فَكَانَتْ هِيَ الْمَنْظُورُ إلَيْهَا وَقَدْ تَبَدَّلَتْ، فَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ بِجِنْسِهَا

أَبَدًا، وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْكَيْلَ فِيهِ) حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ وَزْنًا وَإِنْ تَمَاثَلَا فِي الْوَزْنِ إلَّا إنْ عُلِمَ أَنَّهُمَا مُتَمَاثِلَانِ فِي الْكَيْلِ أَيْضًا (وَكُلُّ مَا نُصَّ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهِ وَزْنًا فَهُوَ مَوْزُونٌ أَبَدًا مِثْلُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ) لِأَنَّ الْعُرْفَ جَازَ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَاطِلٍ كَتَعَارُفِ أَهْلِ زَمَانِنَا فِي إخْرَاجِ الشُّمُوعِ وَالسُّرُجِ إلَى الْمَقَابِرِ لَيَالِيَ الْعِيدِ، وَالنَّصُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَاطِلٍ، وَلِأَنَّ حُجِّيَّةَ الْعُرْفِ عَلَى الَّذِينَ تَعَارَفُوهُ وَالْتَزَمُوهُ فَقَطْ، وَالنَّصُّ حُجَّةٌ عَلَى الْكُلِّ فَهُوَ أَقْوَى، وَلِأَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا صَارَ حُجَّةً بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» وَفِي الْمُجْتَبَى: ثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ مَا يَعْتَادُهُ أَهْلُ خُوَارِزْمَ مِنْ بَيْعِ الْحِنْطَةِ الرَّبِيعِيَّةِ بِالْخَرِيفِيَّةِ مَوْزُونًا مُتَسَاوِيًا لَا يَجُوزُ (وَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ) فِي الْأَسْوَاقِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْعَادَةُ (دَلَالَةٌ) عَلَى الْجَوَازِ فِيمَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا» الْحَدِيثَ، وَمِنْ ذَلِكَ دُخُولُ الْحَمَّامِ وَشُرْبُ مَاءِ السِّقَاءِ لِأَنَّ الْعُرْفَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجْمَاعِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ، وَزَادَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ مَا كَانَ مُسْتَخْرَجًا مِنْ أَصْلٍ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ كَالدَّقِيقِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ عَلَى خِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى ذَلِكَ) الْكَيْلِ فِي الشَّيْءِ أَوْ الْوَزْنِ فِيهِ مَا كَانَ فِي ذَاكَ الْوَقْتِ إلَّا لِأَنَّ الْعَادَةَ إذْ ذَاكَ بِذَلِكَ (وَقَدْ تَبَدَّلَتْ) فَتَبَدَّلَ الْحُكْمُ.

وَأُجِيبُ بِأَنَّ تَقْرِيرَهُ إيَّاهُمْ عَلَى مَا تَعَارَفُوا مِنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ مِنْهُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالْعُرْفِ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يُعَارِضُ النَّصَّ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، كَذَا وَجْهٌ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَلْزَمُ أَبَا يُوسُفَ لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنَّهُ كَنَصِّهِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ يَقُولُ: يُصَارُ إلَى الْعُرْفِ الطَّارِئِ بَعْدَ النَّصِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَغَيُّرَ الْعَادَةِ يَسْتَلْزِمُ تَغَيُّرَ النَّصِّ، حَتَّى لَوْ كَانَ حَيًّا لَنَصَّ عَلَيْهِ عَلَى وِزَانِ مَا ذَكَرْنَا فِي سُنِّيَّةِ التَّرَاوِيحِ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ بَلْ فَعَلَهُ مَرَّةً ثُمَّ تَرَكَ، لَكِنْ لَمَّا بَيَّنَ عُذْرَ خَشْيَةِ الِافْتِرَاضِ عَلَى مَعْنًى لَوْلَاهُ لَوَاظَبَ حُكِمَ بِالسُّنِّيَّةِ مَعَ عَدَمِ الْمُوَاظَبَةِ، لِأَنَّا أَمِنَّا مِنْ بَعْدِهِ النَّسْخَ فَحَكَمْنَا بِالسُّنِّيَّةِ، فَكَذَا هَذَا لَوْ تَغَيَّرَتْ تِلْكَ الْعَادَةُ الَّتِي كَانَ النَّصُّ بِاعْتِبَارِهَا إلَى عَادَةٍ أُخْرَى تَغَيَّرَ النَّصُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ بِجِنْسِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>