قَالَ (وَعَقْدُ الصَّرْفِ مَا وَقَعَ عَلَى جِنْسِ الْأَثْمَانِ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَبْضُ عِوَضَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ)
يُقَدَّرُ وَلَمْ يَشْتَهِرْ فِيهَا أَنَّهَا اسْمٌ يَرْجِعُ إلَى الْوَزْنِ كَمَا اُشْتُهِرَ فِي الْمَنِّ وَالْقِنْطَارِ أَوْ إلَى الْكَيْلِ كَمَا فِي الصَّاعِ وَالْمُدِّ فَلَا يَدْرِي أَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ مِنْ قَبِيلِ الْوَزْنِ فَيَجْرِيَ حُكْمُ الْوَزْنِ عَلَى الْمَبِيعِ أَوْ الْمَكِيلِ فَيَجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْكَيْلِيِّ وَذَلِكَ كَاسْمِ الرَّطْلِ وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَالْأُوقِيَّةِ، فَأَفَادَ أَنَّ الْمَنْسُوبَ إلَيْهَا مِنْ الْمَبِيعَاتِ وَزْنِيٌّ فَيَجْرِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَلَوْ بِيعَ مَا يُنْسَبُ إلَى الرِّطْلِ وَالْأُوقِيَّةِ كَيْلًا بِكَيْلٍ مُتَسَاوِيَيْنِ يُعْرَفُ قَدْرُهُمَا كَيْلًا وَلَا يُعْرَفُ وَزْنُ مَا يُحِلُّهُمَا لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ تَسَاوِيهِمَا فِي الْوَزْنِ فَيَكُونَ بَيْعَ الْجُزَافِ. وَلَوْ تَبَايَعَا كَيْلًا مُتَفَاضِلًا وَهُمَا مُتَسَاوِيَا الْوَزْنِ صَحَّ، وَلَيْسَ قَوْلُنَا لِاحْتِمَالِ عَدَمِ تَسَاوِيهِمَا وَزْنًا لِإِفَادَةِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ تَسَاوِيهِمَا وَزْنًا يَجُوزُ، فَإِنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ أَمْوَالَ الرِّبَا لَوْ بِيعَتْ مُجَازَفَةً ثُمَّ ظَهَرَ تَسَاوِيهِمَا لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِنَا، بَلْ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ لَوْ عُلِمَ تَسَاوِيهِمَا فِيمَا يَجِبُ نِسْبَتُهُمَا إلَيْهِ مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ كَانَ جَائِزًا.
ثُمَّ الرَّطْلُ وَالْأُوقِيَّةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا عُرْفُ الْأَمْصَارِ، وَيَخْتَلِفُ فِي الْمِصْرِ الْوَاحِدِ أَمْرُ الْمَبِيعَاتِ، فَالرَّطْلُ الْآنَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَزْنُ ثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَاثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا بِوَزْنِ كُلِّ عَشْرَةٍ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ، وَفِي مِصْرَ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَفِي الشَّامِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْثَالِهِ، وَفِي حَلَبٍ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَتَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدٍ الرَّطْلَ بِأَنَّهُ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ تَفْسِيرٌ لِلرَّطْلِ الْعِرَاقِيِّ الَّذِي قَدَّرَ بِهِ الْفُقَهَاءُ كَيْلَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ، ثُمَّ فِي الْإِسْكَنْدَرِيَّة الرَّطْلُ الْمَذْكُورُ لِغَيْرِ الْكَتَّانِ، وَرَطْلُ الْكَتَّانِ مِائَتَا دِرْهَمٍ بِوَزْنِ سَبْعَةٍ، وَكُلُّ رَطْلٍ فِي عُرْفِ دِيَارِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَأَقْطَارِهِ اثْنَا عَشَرَ أُوقِيَّةً، وَرُبَّمَا كَانَ فِي غَيْرِهَا عِشْرِينَ أُوقِيَّةً، وَحِينَئِذٍ لَا يُشْكِلُ اخْتِلَافُ كَمِّيَّةِ الْأُوقِيَّةِ بِاخْتِلَافِ الرَّطْلِ.
وَفِي زَمَنِهِ ﷺ كَانَتْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا ثُمَّ الْأُوقِيَّةُ مَثَلًا اثْنَا عَشَرَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَفِي نَحْوِ الْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ عَشَرَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ مَعَ أَسْمَاءٍ أُخَرَ تَوْقِيفِيَّةٍ مِنْ جِهَةِ الِاصْطِلَاحِ تُعْرَفُ بِالِاسْتِكْشَافِ وَالسُّؤَالِ عَنْهَا فَيُعْرَفُ الْحَالُ. وَقَوْلُهُ بِمِكْيَالٍ لَا يُعْرَفُ وَزْنُهُ إلَى آخِرِهِ عُرِفَ تَقْرِيرُهُ
(قَوْلُهُ وَعَقْدُ الصَّرْفِ مَا وَقَعَ عَلَى جِنْسِ الْأَثْمَانِ) ذَهَبًا وَفِضَّةً بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَ بِجِنْسِهِ اُشْتُرِطَ فِيهِ التَّسَاوِي وَالتَّقَابُضِ قَبْلَ افْتِرَاقِ الْأَبَدَانِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ حَتَّى لَوْ عَقَدَا عَقْدَ الصَّرْفِ وَمَشَيَا فَرْسَخًا ثُمَّ تَقَابَضَا وَافْتَرَقَا صَحَّ وَأَنْ لَا يَكُونَ بِهِ خِيَارٌ، وَكَذَا السَّلَمُ وَلَا أَجَلَ كَذَا ذُكِرَ، وَهُوَ مُسْتَدْرَكٌ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ التَّقَابُضِ يُفِيدُهُ.
وَلَوْ أُسْقِطَ الْخِيَارُ وَالْأَجَلُ فِي الْمَجْلِسِ عَادَ صَحِيحًا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ جِنْسِهِ كَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ اُشْتُرِطَ مَا سِوَى التَّسَاوِي. وَاسْتَدَلَّ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ بِقَوْلِهِ ﷺ «الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute