قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ وَلَا بِالسَّوِيقِ) لِأَنَّ الْمُجَانَسَةَ بَاقِيَةٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْحِنْطَةِ وَالْمِعْيَارُ فِيهِمَا الْكَيْلُ، لَكِنَّ الْكَيْلَ غَيْرُ مُسَوٍّ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحِنْطَةِ لِاكْتِنَازِهِمَا فِيهِ وَتَخَلْخُلِ حَبَّاتِ الْحِنْطَةِ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ كَيْلًا بِكَيْلٍ
(وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ مُتَسَاوِيًا كَيْلًا) لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ
الْحُسْنِ بِلَا شَكٍّ
(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ) أَيْ دَقِيقِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ (وَلَا بِالسَّوِيقِ) أَيْ سَوِيقِ الْحِنْطَةِ. أَمَّا سَوِيقُ الشَّعِيرِ فَيَجُوزُ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يَسْتَلْزِمُ شُبْهَةُ التَّفَاضُلِ، وَحَقِيقَتُهُ جَائِزَةٌ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَضْلًا عَنْ شُبْهَتِهِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِأَنَّ الْمُجَانَسَةَ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا وَإِنْ انْتَفَتْ اسْمًا وَصُورَةً وَمَعْنًى مَوْجُودَةٌ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحِنْطَةِ مِنْ نَحْوِ الْهَرِيسَةِ وَالْمَقْلُوَّةِ وَإِخْرَاجِ النَّشَا مُنْتَفٍ فِي الدَّقِيقِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْحِنْطَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ أَجْزَاؤُهَا لِأَنَّ مِنْ أَجْزَائِهَا النُّخَالَةَ أَيْضًا فَالْحِنْطَةُ كُسِرَتْ عَلَى أَجْزَاءٍ صِغَارٍ، وَذَلِكَ لَا يَنْفِي الْمُجَانَسَةَ، وَالْمِعْيَارُ فِي كُلٍّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ الْكَيْلُ، وَالْكَيْلُ لَا يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ بِعَارِضِ ذَلِكَ التَّكْسِيرِ صَارَتْ أَجْزَاؤُهَا مُكْتَنِزَةً (فِيهِ) أَيْ فِي الْكَيْلِ: أَيْ مُنْضَمَّةً انْضِمَامًا شَدِيدًا، وَالْقَمْحُ فِي الْكَيْلِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا كَيْلًا بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ، فَصَارَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ كَيْلًا كَبَيْعِ الْجُزَافِ لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ، وَحُرْمَةُ الرِّبَا إنَّمَا كَانَتْ مُنْتَهِيَةً بِالْعِلْمِ بِالْمُسَاوَاةِ إلَّا فِيمَا لَا اعْتِبَارَ بِهِ مِثْلُ أَنْ يَتَّفِقَ كَبْسٌ فِي كَيْلِ هَذِهِ الْحِنْطَةِ لَمْ يَتَّفِقْ قَدْرُهُ سَوَاءً فِي الْأُخْرَى، فَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْعِلْمُ بِهَا صَارَتْ مُنْتَفِيَةً بِالضَّرُورَةِ (فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ كَيْلًا بِكَيْلٍ) مُسَاوٍ، وَقَوْلُنَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأَظْهَرِ عَنْهُ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ، لِأَنَّ الدَّقِيقَ نَفْسُ الْحِنْطَةِ فُرِّقَتْ أَجْزَاؤُهَا فَأَشْبَهَ بَيْعَ حِنْطَةٍ صَغِيرَةٍ جِدًّا بِكَبِيرَةٍ جِدًّا، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عُرُوضِ الْجَهْلِ بِالْمُسَاوَاةِ بِعُرُوضِ الطَّحْنِ يَدْفَعُهُ.
وَبَيْعُ النُّخَالَةِ بِالدَّقِيقِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَجَازَهُ لِأَنَّ النُّخَالَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا لِأَنَّهَا لَا تُطْعَمُ. وَقَوْلُنَا الْمِعْيَارُ فِي الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ الْكَيْلُ لَا يُرَادُ بِهِ إلَّا فِيمَا إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ، أَمَّا بِالدَّرَاهِمِ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ وَزْنًا بِالدَّرَاهِمِ وَكَذَا الدَّقِيقُ وَغَيْرُ ذَلِكَ
(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ مُتَسَاوِيًا كَيْلًا) وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَكَذَا اسْتِقْرَاضُهُ كَيْلًا وَالسَّلَمُ فِيهِ كَيْلًا، وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ بَيْعَ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَدِلُ فِي الْكَيْلِ لِأَنَّهُ يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ، وَنَحْنُ نَمْنَعُ كَوْنَهُ لَا يُعْلَمُ بَلْ يُعْلَمُ، وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ التَّفَاوُتِ بِالْكَبْسِ يُتَوَهَّمُ مِثْلُهُ فِي كَيْلِ الْقَمْحِ وَقَدْ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ: إنَّمَا يَجُوزُ إذَا تَسَاوَيَا كَيْلًا إذَا كَانَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute