قُلْنَا: مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّغَذِّي يَشْمَلُهُمَا فَلَا يُبَالَى بِفَوَاتِ الْبَعْضِ كَالْمَقْلِيَّةِ مَعَ غَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ وَالْعِلْكَةِ بِالْمُسَوِّسَةِ.
قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا بَاعَهُ بِلَحْمٍ مِنْ جِنْسِهِ لَا يَجُوزُ
خُبْزًا أَوْ عَصِيدًا أَوْ طَرِيَّةً وَهُوَ شَبَهُ الرَّشْتَةِ لَا يَتَأَتَّى مِنْ السَّوِيقِ، كَمَا أَنَّ مَا يُقْصَدُ بِالسَّوِيقِ وَهُوَ أَنْ يُذَابَ مَعَ عَسَلٍ وَيُشْرَبَ أَوْ يُلَتَّ بِسَمْنٍ وَعَسَلٍ وَيُؤْكَلَ لَا يَتَأَتَّى مِنْ الدَّقِيقِ، وَإِذَا كَانَا جِنْسَيْنِ جَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَسَاوِيًا وَمُتَفَاضِلًا. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَمْنَعُ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَلَهُ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِالْحِنْطَةِ غَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا، وَذَلِكَ لَيْسَ إلَّا لِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَعَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّسَاوِي مَعَ مُسَاوَاةِ الْكَيْلِ لِاكْتِنَازِ أَحَدِهِمَا فِيهِ دُونَ الْآخَرِ، وَالدَّقِيقُ أَجْزَاءُ غَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ وَالسَّوِيقُ أَجْزَاءُ الْمَقْلِيَّةِ، وَلَمْ يَزِدْ الدَّقِيقُ عَلَى الْحِنْطَةِ إلَّا بِتَكْسِيرِهِ بِالطَّحْنِ، وَكَذَا الْآخَرُ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ بَعْدَ اتِّحَادِهِ.
وَالثَّانِي وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ غَيْرُ الْمَقْلِيَّةِ بِالسَّوِيقِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِالدَّقِيقِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِاسْتِلْزَامِهِ رِبَا الْفَضْلِ وَرِبَا الْفَضْلِ لَا يَثْبُتُ إلَّا مَعَ الْمُجَانَسَةِ فَكَانَتْ الْمُجَانَسَةُ ثَابِتَةً بَيْنَ السَّوِيقِ وَالْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقُ أَجْزَاءُ الْحِنْطَةِ فَتَثْبُتَ الْمُجَانَسَةُ بَيْنَ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ ثُمَّ يَمْتَنِعُ الْعِلْمُ بِالْمُسَاوَاةِ فَيَمْتَنِعُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُمْ اخْتَلَفَتْ الْمَقَاصِدُ وَذَلِكَ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ (قُلْنَا أَعْظَمُ الْمَقَاصِدِ) هِيَ مُتَّحِدَةٌ فِيهِ (وَهُوَ التَّغَذِّي فَلَا يُبَالَى بِفَوَاتِ بَعْضِهَا) الَّذِي هُوَ دُونَ الْمَقْصِدِ الْأَعْظَمِ بِدَلِيلِ الْحُكْمِ بِاتِّحَادِ الْجِنْسِ فِي الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ وَغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ حَتَّى امْتَنَعَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ بِسَبَبِ اتِّحَادِهِمَا فِي ذَلِكَ الْمَقْصُودِ الْأَعْظَمِ مَعَ فَوَاتِ مَا دُونَهُ مِنْ الْمَقَاصِدِ، فَإِنَّ الْمَقْلِيَّةَ لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ وَلَا لِلْهَرِيسَةِ وَلَا تُطْحَنُ فَيُتَّخَذَ مِنْهَا خُبْزٌ (وَ) كَذَا (الْعِلْكَةُ) أَيْ الْجَيِّدَةُ السَّالِمَةُ مِنْ السُّوسِ (مَعَ الْمُسَوِّسَةِ) وَمَعَ ذَلِكَ جُعِلَا جِنْسًا وَاحِدًا غَيْرَ أَنَّ الْمُسَوَّسَةَ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالْعِلْكَةِ كَيْلًا مُتَسَاوِيًا، وَالْمَقْلِيَّةُ مَعَ غَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْكَيْلَ لَا يُسَوِّي بَيْنَهُمَا.
فَأَمَّا بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِالْمَقْلِيَّةِ فَاخْتَلَفُوا. قِيلَ يَجُوزُ إذَا تَسَاوَيَا وَزْنًا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَة. وَقِيلَ لَا وَعَلَيْهِ عَوَّلَ فِي الْمَبْسُوطِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّارَ قَدْ تَأْخُذُ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَمُسَوِّسَةٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ كَأَنَّهَا هِيَ سَوَّسَتْ: أَيْ أَدْخَلَتْ السُّوسَ فِيهَا
(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ عَنْهُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) سَوَاءً كَانَ اللَّحْمُ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute