إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ وَمَدَارُ مَا رَوَيَاهُ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ النَّقَلَةِ.
فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ دَائِرٌ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ وَزَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ.
وَأَبْدَلَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (ضَعِيفٌ عِنْدَ النَّقْلَةِ) وَغَلَّطَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ الْمُصَنِّفَ فِي قَوْلِهِ زَيْدَ بْنَ عَيَّاشٍ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ زَيْدٌ أَبُو عَيَّاشٍ. وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخَ عَلَاءَ الدِّينِ مُغَلْطَاي. قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ الْمَخْرَجُ ﵀: لَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ.
قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: زَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ أَبُو عَيَّاشٍ الدَّوْرَقِيُّ، وَيُقَالُ الْمَخْزُومِيُّ، وَيُقَالُ مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ الْمَدَنِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَغَيْرُ مَشَايِخِنَا ذَكَرُوا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا قَالَ هُوَ مَجْهُولٌ، وَقَدْ رَدَّ تَرْدِيدَهُ بَيْنَ كَوْنِهِ تَمْرًا أَوْ لَا بِأَنَّ هُنَا قِسْمًا ثَالِثًا وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ الْجِنْسِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْآخَرِ كَالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ لِعَدَمِ تَسْوِيَةِ الْكَيْلِ بَيْنَهُمَا، فَكَذَا الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ لَا يُسَوِّيهِمَا الْكَيْلُ، وَإِنَّمَا يَسْوَى فِي حَالِ اعْتِدَالِ الْبَدَلَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَجِفَّ الْآخَرُ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ يَمْنَعُهُ وَيَعْتَبِرُ التَّسَاوِي حَالَ الْعَقْدِ، وَعُرُوضِ النَّقْصِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مَعَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْحَالِ إذَا كَانَ مُوجِبُهُ أَمْرًا خِلْقِيًّا وَهُوَ زِيَادَةُ الرُّطُوبَةِ، بِخِلَافِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِهَا فَإِنَّا فِي الْحَالِ نَحْكُمُ بِعَدَمِ التَّسَاوِي لِاكْتِنَازِ أَحَدِهِمَا فِي الْكَيْلِ، بِخِلَافِ الْآخَرِ لِتَخَلْخُلِ كَثِيرٍ وَرَدَّ طَعْنَهُ فِي أَبِي عَيَّاشٍ أَيْضًا بِأَنَّهُ ثِقَةٌ كَمَا نَقَلْنَا آنِفًا مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ التَّنْقِيحِ، وَأَيْضًا رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ لَا يَرْوِي عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: كَيْفَ يَكُونُ مَجْهُولًا وَقَدْ رَوَى عَنْهُ اثْنَانِ ثِقَتَانِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ وَعِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ وَهُمَا مِمَّنْ احْتَجَّ بِهِمَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَقَدْ عَرَفَهُ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ، وَقَدْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَعَ شِدَّةِ تَحَرِّيهِ فِي الرِّجَالِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ: زَيْدٌ أَبُو عَيَّاشٍ مَجْهُولٌ، فَإِنْ كَانَ هُوَ لَمْ يَعْرِفْهُ فَقَدْ عَرَفَهُ أَئِمَّةُ النَّقْلِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا ذَكَرْنَا.
وَقَدْ أُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ السَّنَدِ فَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْهُ نَسِيئَةً، فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي عَيَّاشٍ هَذَا زِيَادَةُ " نَسِيئَةً "، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ أَبَا عَيَّاشٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ ﵁ يَقُولُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ نَسِيئَةً» وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَسَكَتَ عَنْهُ، وَكَذَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: اجْتِمَاعُ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى خِلَافِ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ يَدُلُّ عَلَى ضَبْطِهِمْ لِلْحَدِيثِ يُرِيدُ بِالْأَرْبَعَةِ مَالِكًا وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ وَالضَّحَّاكَ بْنَ عُثْمَانَ وَآخَرَ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ بَعْدَ صِحَّةِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ يَجِبُ قَبُولُهَا لِأَنَّ الْمَذْهَبَ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ قَبُولُ الزِّيَادَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ لَمْ يُورِدْهَا إلَّا فِي زِيَادَةٍ تَفَرَّدَ بِهَا بَعْضُ الرُّوَاةِ الْحَاضِرِينَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَمِثْلُهُمْ لَا يَغْفُلُ عَنْ مِثْلِهَا فَإِنَّهَا مَرْدُودَةٌ عَلَى مَا كَتَبْنَاهُ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ زِيَادَةٌ لِمَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ اجْتَمَعُوا فِيهِ فَسَمِعَ هَذَا مَا لَمْ يَسْمَعْ الْمُشَارِكُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بِالسَّمَاعِ، فَمَا لَمْ يَظْهَرْ أَنَّ الْحَالَ كَذَلِكَ فَالْأَصْلُ أَنَّهُ قَالَهُ فِي مَجَالِسَ ذَكَرَ فِي بَعْضِهَا مَا تَرَكَهُ فِي آخَرَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
لَكِنْ يَبْقَى قَوْلُهُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ " أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ " عَرِيًّا عَنْ الْفَائِدَةِ إذَا كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ نَسِيئَةً. وَمَا ذَكَرُوا أَنَّ فَائِدَتَهُ أَنَّ الرُّطَبَ يَنْقُصُ إلَى أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ فَلَا يَكُونُ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ مَنْفَعَةٌ لِلْيَتِيمِ بِاعْتِبَارِ النُّقْصَانِ عِنْدَ الْجَفَافِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute