قَالَ (وَلَا فِي الْجُلُودِ عَدَدًا وَلَا فِي الْحَطَبِ حُزَمًا وَلَا فِي الرَّطْبَةِ جُرُزًا) لِلتَّفَاوُتِ فِيهَا، إلَّا إذَا عُرِفَ ذَلِكَ بِأَنْ بَيَّنَ لَهُ طُولَ مَا يَشُدُّ بِهِ الْحُزْمَةَ أَنَّهُ شِبْرٌ أَوْ ذِرَاعٌ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَفَاوَتُ.
قَالَ (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ حَتَّى يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ
مَا دُونَ الرُّكْبَةِ فِي الدَّوَابِّ.
قِيلَ الْمَانِعُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ وَهَذِهِ أَبْعَاضُهُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا الْحَيَوَانُ إنْ كَانَ النَّهْيُ تَعَبُّدًا، وَلَا الْمَعْنَى إنْ كَانَ مَعْلُولًا بِالتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ، وَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَجُوزُ فِي الْجُلُودِ لَكِنَّهُ جَائِزٌ بِذِكْرِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالنَّوْعِ وَالْجُودَةِ، وَلِذَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجُلُودِ وَزْنًا. وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا ذَكَرَ فِي مَنْعِهِ أَنَّهَا عَدَدِيَّةٌ مُتَفَاوِتَةٌ وَلَا مُقَدَّرٌ لَهَا فَامْتَنَعَ السَّلَمُ عَدَدًا وَغَيْرُ عَدَدٍ لِانْتِفَاءِ الْمَقْدُورِ.
وَعِنْدِي لَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ وَزْنًا بَعْدَ ذِكْرِ النَّوْعِ، وَبَاقِي الشُّرُوطِ، فَإِنَّ الْأَكَارِعَ وَالرُّءُوسَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ حِينَئِذٍ لَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا، وَقَوْلُ مَالِكٍ بِجَوَازِهِ عَدَدًا بَعْدَ ذِكْرِ النَّوْعِ لِخِفَّةِ التَّفَاوُتِ جَيِّدٌ لَكِنْ يُرَادُ أَنَّهَا رُءُوسُ عَجَاجِيلٍ أَوْ أَبْقَارٍ كِبَارٍ وَنَحْوِهِ فِي الْغَنَمِ، فَإِنَّ التَّفَاوُتَ بَعْدَ ذَلِكَ يَسِيرٌ (لَا فِي الْجُلُودِ عَدَدًا) وَكَذَا الْأَخْشَابُ وَالْجُوَالِقَاتُ وَالْفِرَاءُ وَالثِّيَابُ الْمَخِيطَةُ وَالْخِفَافُ وَالْقَلَانِسُ، إلَّا أَنْ يَذْكُرَ الْعَدَدَ لِقَصْدِ التَّعَدُّدِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ ضَبْطًا لِكَمِّيَّتِهِ ثُمَّ يَذْكُرُ مَا يَقَعُ بِهِ الضَّبْطَ كَأَنْ يَذْكُرَ فِي الْجُلُودِ مِقْدَارًا مِنْ الطُّولِ وَالْعَرْضِ بَعْدَ النَّوْعِ كَجُلُودِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَكَذَا فِي الْأَدِيمِ بِأَنْ يَقُولَ طَائِفِيٍّ أَوْ بَرْغَالِيٍّ، وَفِي الْخَشَبِ طُولُهُ وَغِلَظُهُ وَنَوْعُهُ كَسَنْطٍ أَوْ حَوْرٍ وَنَحْوِهِ.
وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ يَجُوزُ فِي الْكَاغَدِ عَدَدًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدِ تَسْمِيَةِ طُولِهِ وَعِرْضِهِ وَثُخْنِهِ وَرِقَّتِهِ وَنَوْعِهِ، إلَّا أَنْ يُغْنِيَ ذِكْرُ نِسْبَتِهِ عَنْ قَدْرِهِ كَوَرَقٍ حَمَوِيّ، وَفِي الْجَوَالِيقِ طُولُهُ وَوُسْعُهُ، وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ مُمَيِّزًا لَهُ عَنْ غَيْرِهِ قَاطِعًا لِلِاشْتِرَاكِ (وَ) كَذَا (لَا) يَجُوزُ (فِي الْحَطَبِ حُزَمًا وَلَا فِي الرَّطْبَةِ جُرُزًا لِلتَّفَاوُتِ إلَّا إذَا عَرَفَ ذَلِكَ) بِأَنْ يُبَيِّنَ طُولَ مَا يَشُدُّ بِهِ الْحُزْمَةَ أَنَّهُ شِبْرٌ أَوْ ذِرَاعٌ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ إذَا كَانَ لَا يَتَفَاوَتُ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا أَصْلًا بَلْ لَا يَجُوزُ بِهَذَا الْعَقْدِ، وَلَوْ قَدَّرَ بِالْوَزْنِ فِي الْكُلِّ جَازَ.
وَفِي دِيَارِنَا تَعَارَفُوا فِي نَوْعٍ مِنْ الْحَطَبِ الْوَزْنَ فَيَجُوزُ الْإِسْلَامُ فِيهِ وَزْنًا وَهُوَ أَضْبَطُ وَأَطْيَبُ، وَكَوْنُ الْعُرْفِ فِي شَيْءٍ مِنْ بَعْضِ الْمُقَدَّرَاتِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَتَعَامَلَ فِيهِ بِمِقْدَارٍ آخَرَ يَصْطَلِحَانِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ كَمَا قُلْنَا فِي الْبَيْضِ كَيْلًا، وَعَنْهُ كَانَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْحِنْطَةِ وَزْنًا، بِخِلَافِ مَا إذَا قُوبِلَ نَحْوَ الْحِنْطَةِ بِجِنْسِهَا وَزْنًا وَهُوَ كَيْلِيٌّ لِمَا عُرِفَ فِي بَابِ الرِّبَا، أَمَّا السَّلَمُ فَلَيْسَ يَلْزَمُ فِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ فِي الْحِنْطَةِ لَا يَكُونُ حِنْطَةٌ وَقَدْ رَضِيَا بِضَبْطِهِ وَزْنًا كَيْ لَا يَصِيرَ تَفَاوُتُ الْحِنْطَتَيْنِ الْمُتَّحِدَتِي الْوَزْنِ كَيْلًا، وَبِهَذَا تَضْعُفُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْحِنْطَةِ وَزْنًا.
وَذَكَر قَاضِي خَانْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ لِتَعَامُلِ النَّاسِ، وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْقَتِّ وَزْنًا وَالرَّطْبَةِ الْقَضْبَ، والْجُرَزِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ جُرْزَةٌ: وَهِيَ الْحُزْمَةُ مِنْ الرَّطْبَةِ كَحُزْمَةِ الرِّيحَانِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا الْجِزَز بِكَسْرِ الْجِيمِ وِزَاءَيْنِ أَوَّلُهُمَا مَفْتُوحَةٌ فَجَمْعُ جِزَّةٌ وَهِيَ الصُّوفُ الْمَجْزُوزُ
(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ حَتَّى يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute