للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّسْلِيمَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْحَالِّ فَلَا يَتَعَيَّنُ، بِخِلَافِ الْقَرْضِ وَالْغَصْبِ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فَالْجَهَالَةُ فِيهِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، لِأَنَّ قِيَمَ الْأَشْيَاءِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ، وَصَارَ كَجَهَالَةِ الصِّفَةِ،

فَلَهُ الْخِيَارُ. وَلَوْ تَعَيَّنَ مَكَانُ الْبَيْعِ مَكَانًا لِلتَّسْلِيمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخِيَارُ، ثُمَّ قِيلَ: إنَّمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إذَا كَانَتْ خَوَابِيَ الْحِنْطَةِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مِصْرَ وَسَوَادٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُطَالِبُهُ بِالتَّسْلِيمِ فِي أَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ وَالْبَائِعُ يُسَلِّمُهُ إلَيْهِ فِي الْأَبْعَدِ، وَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ أَنَّ مَكَانَ الْبَيْعِ لَا يَتَعَيَّنُ.

أَجَابَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ حَاضِرًا وَالْمَبِيعُ فِي السَّلَمِ حَاضِرٌ لِأَنَّهُ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ وَهُوَ حَاضِرٌ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ فَالْمَبِيعُ حَاضِرٌ بِحُضُورِهِ وَفِي بَيْعِ الْعَيْنِ إذَا كَانَ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّسْلِيمَ) فِي السَّلَمِ (غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْحَالِ فَلَا يَتَعَيَّنُ) مَكَانَ الْعَقْدِ (بِخِلَافِ الْقَرْضِ وَالْغَصْبِ) فَإِنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِمَا وَاجِبٌ فِي الْحَالِ فَيَتَعَيَّنُ مَكَانُ سَبَبِ الْوُجُوبِ فِي الْحَالِ، وَكَذَا انْدَفَعَ قِيَاسُهُ عَلَى رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي الْحَالِ وَتَضَمُّنُ مَنْعِ مَا قَالَا مِنْ أَنَّ وُجُودَ الْعَقْدِ الْمُوجِبِ لِلتَّسْلِيمِ يُوجِبُ تَعْيِينَ مَكَانِهِ، بَلْ الْعَقْدُ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ فَقَطْ إلَّا إنْ اقْتَضَى أَمْرًا آخَرَ تَعْيِينَ مَكَانِهِ (فَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فَالْجَهَالَةُ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، لِأَنَّ قِيَمَ الْأَشْيَاءِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ) دَفْعًا لِلْمُنَازَعَةِ لِأَنَّ الْمُسَلِّمَ يُطَالِبُهُ بِالتَّسْلِيمِ فِي مَكَان يَسْقُطُ عَنْهُ فِيهِ مُؤْنَةُ الْحَمْلِ وَتَرْتَفِعُ قِيمَتُهُ وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ عَلَى عَكْسِهِ.

وَبِخِلَافِ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ وَاجِبٌ لِلْحَالِ فَافْتَرَقَا، وَإِلْحَاقُهُ بِالْأَمْرِ فِي تَعَيُّنِ أَوَّلِ الْأَوْقَاتِ بِلَا جَامِعٍ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ التَّسْلِيمُ غَيْرُ وَاجِبٍ لِلْحَالِ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ مِمَّا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَنْعُ إذْ لَا مُلَازَمَةٌ تَظْهَرُ، وَمَا الْمَانِعُ مِنْ تَعَيُّنِهِ مَعَ تَأَخُّرِ التَّسْلِيمِ حَتَّى إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَجَبَ تَسْلِيمُهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَنْعِ تَعْيِينِ الْعَقْدِ الْمَكَانِ وَإِلْحَاقِهِمَا بِالِاسْتِهْلَاكِ وَالْقَرْضِ ظَهَرَ الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ السَّلَمِ وَبِالثَّمَنِ فِي الْعَيْنِ مَحِلِّ النِّزَاعِ، لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ يَرَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ أَيْضًا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا، وَأَنَّهُ يَجِبُ تَعْيِينُهُ أَيْضًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَبِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ يُمْنَعُ فِيهِ حُكْمُ الْأَصْلِ، فَإِنَّا لَا نُعَيِّنُ مَكَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>