للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ

أَنَّ تَرْكَ الْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ كَالْخَطَإِ فِي الْإِعْرَابِ، فَلِذَا قَالَ كَثِيرٌ بِالْفَسَادِ فِي تَخْفِيفِ ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وَ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ لِأَنَّ مَعْنَى إيَا مُخَفَّفًا الشَّمْسُ، وَالْأَصَحُّ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ فِي إيَّا الْمُشَدَّدَةِ نَقَلَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي النُّحَاةِ، وَعَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا، وَبِنَاءً عَلَى هَذَا أَفْسَدُوهَا بِمَدِّ هَمْزَةِ أَكْبَرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

وَأَمَّا الْحُرُوفُ فَإِذَا وَضَعَ حَرْفًا مَكَانَ غَيْرِهِ فَإِمَّا خَطَأً وَإِمَّا عَجْزًا، فَالْأَوَّلُ إنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ: إنَّ الْمُسْلِمُونَ، لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ وَلَيْسَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ: قَيَّامِينَ بِالْقِسْطِ وَالتَّيَّابِينَ، وَالْحَيُّ الْقَيَّامُ عِنْدَهُمَا لَا تَفْسُدُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَفْسُدُ، وَإِنْ غَيَّرَ فَسَدَتْ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ لَمْ تَكُنْ مِثْلَهُ فِي الْقُرْآنِ، فَلَوْ قَرَأَ أَصْحَابُ الشَّعِيرِ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا، فَالْعِبْرَةُ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ عَدَمُ تَغَيُّرِ الْمَعْنَى.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وُجُودُ الْمِثْلِ فِي الْقُرْآنِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَ أَبُو مَنْصُورٍ الْعِرَاقِيُّ مِنْ عُسْرِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ وَعَدَمِهِ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ وَثُبُوتِهِ وَلَا قُرْبَ الْمَخَارِجِ وَعَدَمِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ.

وَحَاصِلُ هَذَا إنْ كَانَ الْفَصْلُ بِلَا مَشَقَّةٍ كَالطَّاءِ مَعَ الصَّادِ فَقَرَأَ الطَّالِحَاتِ مَكَانَ الصَّالِحَاتِ تَفْسُدُ، وَإِنْ كَانَ بِمَشَقَّةٍ كَالظَّاءِ مَعَ الضَّادِ وَالصَّادِ مَعَ السِّينِ وَالطَّاءِ مَعَ التَّاءِ قِيلَ تَفْسُدُ، وَأَكْثَرُهُمْ لَا تَفْسُدُ، هَذَا عَلَى رَأْيِ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ ثُمَّ لَمْ تَنْضَبِطْ فُرُوعُهُمْ فَأَوْرَدَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا ظَاهِرُهُ التَّنَافِي لِلْمُتَأَمِّلِ، فَالْأَوْلَى قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْإِقَامَةُ عَجْزًا كَالْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِالْهَاءِ فِيهَا، أَعُوذُ بِالْمُهْمَلَةِ، الصَّمَدُ بِالسِّينِ إنْ كَانَ يَجْهَدُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فِي تَصْحِيحِهِ وَلَا يَقْدِرُ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ، وَلَوْ تَرَكَ جَهْدَهُ فَفَاسِدَةٌ وَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَتْرُكَ فِي بَاقِي عُمْرِهِ، وَأَمَّا الْأَلْثَغُ الَّذِي يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ بِالْمُثَلَّثَةِ أَوْ مَكَانَ اللَّامِ الْيَاءَ وَنَحْوَهُ لَا يُطَاوِعُهُ لِسَانُهُ لِغَيْرِهِ فَقِيلَ إنَّ بَدَلَ الْكَلَامِ فَسَدَتْ، أَوْ قَرَأَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا يُؤْجَرُ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَّخِذَ آيَاتٍ لَيْسَ فِيهَا تِلْكَ الْحُرُوفُ يَفْعَلُ وَإِلَّا يَسْكُتُ.

وَعَلَى قِيَاسِ الْأَوَّلِ إنْ بَذَلَ جَهْدَهُ لَا تَفْسُدُ، وَبِهِ أَخَذَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِنْ لَمْ يَبْذُلْ إنْ أَمْكَنَهُ آيَاتٌ لَيْسَ فِيهَا تِلْكَ الْحُرُوفُ يَتَّخِذُهَا إلَّا الْفَاتِحَةَ، وَلَا يَنْبَغِي لِغَيْرِهِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَكَذَا الْفَأْفَاءُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ الْكَلِمَةِ إلَّا بِتَكْرِيرِ الْفَاءِ، وَالتَّمْتَامُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يُدِيرَهَا فِي صَدْرِهِ كَثِيرًا، وَكَذَا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ حَرْفٍ مِنْ الْحُرُوفِ، ثُمَّ الْأَلْثَغُ إذَا وَجَدَ آيَاتٍ لَيْسَ فِيهَا تِلْكَ الْحُرُوفُ فَقَرَأَ مَا هِيَ فِيهِ فِيهَا فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ جَازَتْ، وَهَلْ يَجُوزُ بِلَا قِرَاءَةٍ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَرَأَ بِمَا فِيهَا مَعَ وُجُودِ مَا لَيْسَ فِيهَا فِيمَا إذَا لَمْ يُبَدِّلْ، أَمَّا إذَا بَدَّلَ فَيَنْبَغِي عَدَمُهُ فِي الْفَسَادِ لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ لِلْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَكَذَا فِي الْجَوَازِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ عَدَمَ الْوُجُودِ مَعَ الْعَجْزِ أَمَّا مَعَهُ فَيَنْبَغِي عَدَمُهُ فِي الْفَسَادِ لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ لِلْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.

وَأَمَّا التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فَإِنْ غَيَّرَ نَحْوَ قَوْسَرَةٍ فِي قَسْوَرَةٍ فَسَدَتْ، وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ.

وَأَمَّا الزِّيَادَةُ وَمِنْهُ فَكُّ الْمُدْغَمِ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ نَحْوُ: وَانْهَا عَنْ الْمُنْكَرِ بِالْأَلِفِ، وَرَادَدُوهُ إلَيْكَ، لَا تَفْسُدُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ غَيَّرَ نَحْوَ زَرَابِيبُ مَكَانُ زَرَابِيُّ، وَالْقُرْآنُ الْحَكِيمُ وَإِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ، وَإِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى بِالْوَاوِ تَفْسُدُ، وَكَذَا النُّقْصَانُ إنْ لَمْ يُغَيِّرْ لَا تَفْسُدُ نَحْوُ جَاءَهُمْ مَكَانُ جَاءَتْهُمْ وَإِنْ غَيَّرَ فَسَدَ نَحْوُ، وَالنَّهَارِ إذَا تَجَلَّى مَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى

<<  <  ج: ص:  >  >>