بِالْجَهْرِ، وَفِي التَّطَوُّعِ بِالنَّهَارِ يُخَافِتُ وَفِي اللَّيْلِ يَتَخَيَّرُ اعْتِبَارًا بِالْفَرْضِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُكَمِّلٌ لَهُ فَيَكُونُ تَبَعًا
(مَنْ فَاتَتْهُ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إنْ أَمَّ فِيهَا جَهَرَ) كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ قَضَى الْفَجْرَ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بِجَمَاعَةٍ (وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ خَافَتَ حَتْمًا وَلَا يَتَخَيَّرُ هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّ الْجَهْرَ يَخْتَصُّ
يُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا» وَفِي النَّسَائِيّ «كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَهُ ﷺ فَنَسْمَعُ مِنْهُ الْآيَةَ بَعْدَ الْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ لُقْمَانَ وَالذَّارِيَاتِ» وَفِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ النَّضْرِ قَالَ «كُنَّا بِالطَّائِفِ عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَصَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: إنِّي صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الظُّهْرَ فَقَرَأَ لَنَا بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» فَالْإِخْبَارُ بِقِرَاءَةِ خُصُوصِ سُورَةٍ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ كَانَ جَهْرًا (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِالْفَرْضِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ) هُوَ الْمُفِيدُ لِتَعَيُّنِ الْمُخَافَتَةِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ قَوْلُهُ وَيُخْفِيهَا الْإِمَامُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ يُعْطَى أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ كَمَا قَالَ عِصَامٌ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ السَّهْوُ بِالْجَهْرِ فِيهِمَا عَلَى الْمُنْفَرِدِ، وَالصَّحِيحُ تَعَيُّنُ الْمُخَافَتَةِ.
وَبَعْدَ هَذَا فَفِيمَا دَفَعَ بِهِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ السَّهْوُ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ الْجَهْرَ وَالْإِسْمَاعَ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، إذْ لَا نُنْكِرُ أَنَّ وَاجِبًا قَدْ يَكُونُ آكَدَ مِنْ وَاجِبٍ، لَكِنْ لَمْ يُنَطْ وُجُوبُ السُّجُودِ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ لَا بِآكَدِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ بِرُتْبَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْهُ، فَحَيْثُ كَانَتْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْمُنْفَرِدِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِتَرْكِهَا السُّجُودُ.
(قَوْلُهُ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ «عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ شَابٌّ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْرُسُكُمْ، فَحَرَسَهُمْ حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ الصُّبْحِ غَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَمَا اسْتَيْقَظُوا إلَّا بِحَرِّ الشَّمْسِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَتَوَضَّأَ وَتَوَضَّأَ أَصْحَابُهُ وَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَذَّنَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْفَجْرَ بِأَصْحَابِهِ وَجَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا». وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَكِنْ يُعْتَضَدُ بِهِ حَمْلُ مَا فِي مُسْلِمٍ «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: إنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ، إلَى أَنْ قَالَ: فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ، قَالَ: فَقُمْنَا فَزِعِينَ ثُمَّ قَالَ: ارْكَبُوا فَرَكِبْنَا وَسِرْنَا حَتَّى إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ نَزَلَ ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَاءِ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ» عَلَى مَا يَعُمُّ الْجَهْرَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ لَا عَلَى مُجَرَّدِ اسْتِيفَاءِ الْأَرْكَانِ كَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بِلَا مُوجِبٍ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ: يَتَخَيَّرُ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ هُوَ الصَّحِيحُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute