قَالَ (الْكَفَالَةُ ضَرْبَانِ: كَفَالَةٌ بِالنَّفْسِ، وَكَفَالَةٌ بِالْمَالِ. فَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ جَائِزَةٌ وَالْمَضْمُونُ بِهَا إحْضَارُ الْمَكْفُولِ بِهِ)
الْأَصِيلِ إذْ فِعْلُ الْأَدَاءِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ الْوَجْهُ أَنْ تُطْلَقَ الْمُطَالَبَةُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالدَّيْنِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ كَمَا تَكُونُ بِالدُّيُونِ تَكُونُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا وَهُوَ مَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ هَلَكَ ضَمِنَ مِثْلُهُ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ، وَبِقِيمَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا. وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا وَيَجِبُ تَسْلِيمُهَا، وَإِذَا هَلَكَتْ يَجِبُ تَسَلُّمُ قِيمَتِهَا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ، وَالْأَعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ بِغَيْرِهَا وَهِيَ الْأَعْيَانُ الْوَاجِبَةُ التَّسْلِيمِ قَائِمَةٌ، وَعِنْدَ هَلَاكِهَا لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ مِثْلِهَا وَلَا قِيمَتِهَا وَهُوَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُضْمَنُ بِالثَّمَنِ وَكَالرَّهْنِ يُضْمَنُ بِالدَّيْنِ، وَلَوْ هَلَكَتْ لَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ قِيمَتُهَا. وَأَمَّا الْأَعْيَانُ الْوَاجِبَةُ التَّسْلِيمِ وَهِيَ أَمَانَةٌ كَالْعَارِيَّةِ وَالْمُسْتَأْجَرِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا وَمَتَى هَلَكَتْ لَا تَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ قِيمَتُهَا، بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ الْغَيْرِ الْوَاجِبَةِ التَّسْلِيمِ كَالْوَدِيعَةِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا أَصْلًا.
وَأَمَّا رُكْنُهَا فَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِالْأَلْفَاظِ الْآتِيَةِ، وَلَمْ يَجْعَلْ أَبُو يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ الْقَبُولَ رُكْنًا فَجَعَلَ الْكَفَالَةَ تَتِمُّ بِالْكَفِيلِ وَحْدَهُ فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ. وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ فَقِيلَ: إنَّ الْكَفَالَةَ تَصِحُّ مِنْ الْوَاحِدِ وَحْدَهُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الطَّالِبِ أَوْ تَصِحُّ نَافِذًا وَلِلطَّالِبِ حَقُّ الرَّدِّ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ مَنْ يَقُولُ بِالتَّوَقُّفِ يَقُولُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ الْكَفِيلُ.
وَأَمَّا حُكْمُهَا فَثُبُوتُ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ لِلْكَفِيلِ مَتَى شَاءَ سَوَاءٌ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ أَوْ لَا، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يُطَالِبُهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَدَاوُد وَأَبُو ثَوْرٍ: يَنْتَقِلُ الْحَقُّ إلَى ذِمَّةِ الْكَفِيلِ فَلَا يَمْلِكُ مُطَالَبَةَ الْأَصِيلِ أَصْلًا كَمَا فِي الْحَوَالَةِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْمَنْظُومَةِ مِنْ نِسْبَةِ ذَلِكَ إلَى مَالِكٍ خِلَافُ مَا فِي مَشَاهِيرِ كُتُبِ أَصْحَابِهِ. احْتَجُّوا بِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ «أَنَّهُ ﷺ حَضَرَ جِنَازَةً فَقَالَ: هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ دَيْنٌ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ دِرْهَمَانِ، فَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَقَالَ عَلِيٌّ ﵁: أَنَا لَهُمَا ضَامِنٌ، فَقَامَ ﷺ وَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ ﵁ فَقَالَ: جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا وَفَكَّ رِهَانَك كَمَا فَكَكْت رِهَانَ أَخِيك، فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَهُ خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ كَافَّةً؟ فَقَالَ لِلنَّاسِ كَافَّةً» فَدَلَّ أَنَّ الْمَضْمُونَ عَنْهُ بَرِيءٌ مِنْ الضَّمَانِ، وَلِلْعَامَّةِ قَوْلُهُ ﷺ «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» وَقَوْلُهُ فِي خَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ «الْآنَ بَرَدَتْ جِلْدَتُهُ» وَصَلَاتُهُ ﷺ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ صَارَ وَفَاءً، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَدْيُونٍ لَمْ يُخْلِفْ وَفَاءً، وَقَوْلُهُ " فَكَّ اللَّهُ رِهَانَك " لِأَنَّهُ كَانَ بِحَالٍ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، فَلَمَّا ضَمِنَ عَنْهُ فَكَّهُ عَنْ ذَلِكَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْجَوَابُ بَعْدُ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ يَتِمُّ بِصَلَاتِهِ عَقِيبَ ضَمَانِ عَلِيٍّ إذْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّمَانَ تَمَّ بِذَلِكَ
(قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ (الْكَفَالَةُ ضَرْبَانِ: كَفَالَةٌ بِالنَّفْسِ، وَكَفَالَةٌ بِالْمَالِ) وَيَدْخُلُ فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ الْكَفَالَةُ بِالْأَعْيَانِ الَّتِي ذَكَرَاهَا (وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ جَائِزَةٌ وَالْمَضْمُونُ بِهَا إحْضَارُ الْمَكْفُولِ بِهِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute