الْإِيفَاءُ دُونَ الْإِبْرَاءِ. وَقِيلَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ حَاضِرًا يَرْجِعُ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُجْمَلُ.
إذْ فِي الزَّائِدِ عَلَيْهِ شَكٌّ فَلَا يَثْبُتُ. وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ كَتَبَ فِي الصَّكِّ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي كَفَلَ بِهَا فَإِنَّهُ إقْرَارٌ بِالْقَبْضِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا كَقَوْلِهِ: بَرِئْت إلَيَّ بِقَضِيَّةِ الْعُرْفِ فَإِنَّ الْعُرْفَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الصَّكَّ يُكْتَبُ عَلَى الطَّالِبِ بِالْبَرَاءَةِ إذَا حَصَلَتْ بِالْإِيفَاءِ، وَإِنْ حَصَلَتْ بِالْإِبْرَاءِ لَا يُكْتَبُ الصَّكُّ عَلَيْهِ فَجُعِلَتْ الْكِتَابَةُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ عُرْفًا وَلَا عُرْفَ عِنْدَ الْإِبْرَاءِ. وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ هُوَ مِثْلُ بَرِئْت إلَيَّ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِبَرَاءَةٍ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ الْكَفِيلُ الْمُخَاطَبُ. وَحَاصِلُهُ إثْبَاتُ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ عَلَى الْخُصُوصِ مِثْلُ قُمْت وَقَعَدْت، وَالْبَرَاءَةُ الْكَائِنَةُ مِنْهُ خَاصَّةً كَالْإِيفَاءِ، بِخِلَافِ الْبَرَاءَةِ بِالْإِبْرَاءِ فَإِنَّهَا لَا تَتَحَقَّقُ بِفِعْلِ الْكَفِيلِ بَلْ بِفِعْلِ الطَّالِبِ فَلَا تَكُونُ حِينَئِذٍ مُضَافَةً إلَى الْكَفِيلِ، وَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ الِاحْتِمَالَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ.
وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيمَا إذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَبْرَأَنِي الْمُدَّعِي مِنْ الدَّعْوَى الَّتِي يَدَّعِي عَلَيَّ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ إقْرَارٌ بِالْمَالِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَبْرَأَنِي مِنْ هَذَا الْمَالِ الَّذِي ادَّعَاهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى تَكُونُ بِحَقٍّ وَبِبَاطِلٍ.
وَلَوْ قَالَ الْكَفِيلُ أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ الْمَالِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَبْرَأْتُك؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْحِلِّ تُسْتَعْمَلُ فِي الْبَرَاءَةِ كَالْإِبْرَاءِ دُونَ الْبَرَاءَةِ بِالْقَبْضِ. قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: هَذَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ غَائِبًا، فَأَمَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي الْبَيَانِ أَنَّهُ قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِجْمَالِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ إلَى الْمُجْمَلُ فِي الْبَيَانِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُجْمَلِ هُنَا مَا يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَيَحْتَمِلُ الْمَجَازَ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا كَمَا يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ بَرِئْت إلَيَّ مَعْنَى لِأَنِّي أَبْرَأْتُك لَا حَقِيقَةَ الْمُجْمَلِ: يَعْنِي يَرْجِعُ إلَيْهِ إذَا كَانَ حَاضِرًا لِإِزَالَةِ الِاحْتِمَالَاتِ، خُصُوصًا إنْ كَانَ الْعُرْفُ مِنْ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute