قَالَ (وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَتَكَفَّلَ عَنْهُ رَجُلٌ لِلْغُرَمَاءِ لَمْ تَصِحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَقَالَا: تَصِحُّ) لِأَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِحَقِّ الطَّالِبِ، وَلَمْ يُوجَدْ الْمُسْقِطُ وَلِهَذَا يَبْقَى فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ بِهِ إنْسَانٌ يَصِحُّ، وَكَذَا يَبْقَى إذَا كَانَ بِهِ كَفِيلٌ أَوْ مَالٌ. وَلَهُ أَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ سَاقِطٍ
بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ لِوَرَثَتِهِ بِأَنْ يَقْضُوا دَيْنَهُ، وَالْجَهَالَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْأَرْجَحِ وَهُوَ أَنَّهَا كَفَالَةٌ، وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ بَلْ هِيَ كَفَالَةٌ، وَجَهَالَةُ الْمَكْفُولِ بِهِ وَهُوَ الدَّيْنُ لَا تَضُرُّ فِي الْكَفَالَةِ، وَقَدْ فَرَضَ أَنَّ الْمَرِيضَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَكْفُولِ لَهُ وَهُوَ مُعَيَّنٌ فَلَمْ يَكُنْ الْمَكْفُولُ لَهُ مَجْهُولًا حُكْمًا لِهَذَا الِاعْتِبَارِ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا) بَلْ مَاتَ مُفْلِسًا (فَتَكَفَّلَ رَجُلٌ لِلْغُرَمَاءِ بِمَا عَلَيْهِ لَا تَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ (تَصِحُّ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﷺ أُتِيَ بِجِنَازَةِ أَنْصَارِيٍّ فَقَالَ: هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ دَيْنٌ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ دِرْهَمَانِ أَوْ دِينَارَانِ، فَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَقَامَ أَبُو قَتَادَةَ وَقَالَ: هُمَا عَلَيَّ فَصَلَّى ﷺ» فَلَوْ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ لَمَا صَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ، وَلِأَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ الدَّيْنَ (وَجَبَ) فِي حَيَاتِهِ (لِحَقِّ الطَّالِبِ) وَهُوَ بَاقٍ (وَلَمْ يُوجَدْ الْمُسْقِطُ) وَهُوَ الْأَدَاءُ أَوْ الْإِبْرَاءُ أَوْ انْفِسَاخُ سَبَبِ وُجُوبِهِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ بِالْمَوْتِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَى بَقَائِهِ كَوْنُهُ يُطَالَبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ (وَ) أَنَّهُ (لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ إنْسَانٌ جَازَ) أَخْذُ الطَّالِبِ مِنْهُ وَلَوْ سَقَطَ بِالْمَوْتِ مَا حَلَّ لَهُ أَخْذُهُ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ كَفِيلٌ قَبْلَ مَوْتِهِ بَقِيَتْ الْكَفَالَةُ، وَلَوْ بَطَلَ الدَّيْنُ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ لِسُقُوطِهِ عَنْ الْكَفِيلِ بِسُقُوطِهِ عَنْ الْأَصِيلِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ سَاقِطٍ) فِي حُكْمِ الدُّنْيَا لَا مُطْلَقًا، وَالْكَفَالَةُ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِأَنَّهَا تُوَثَّقُ لِيَأْخُذَهُ فِيهَا لَا فِي الْآخِرَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ لَهَا وُجُودٌ بِلَا دَيْنٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute