هَذَا ضَمَانٌ لِمَا يَخْسَرُ الْمُشْتَرِي نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ وَهُوَ فَاسِدٌ وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ وَقِيلَ هُوَ تَوْكِيلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْحَرِيرَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ، وَكَذَا الثَّمَنُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لِجَهَالَةِ مَا زَادَ عَلَى الدَّيْنِ، وَكَيْفَمَا كَانَ فَالشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ الْكَفِيلُ وَالرِّبْحُ: أَيْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ.
الرِّبَا بِطَرِيقِ الْمُوَاضَعَةِ فِي الْبَيْعِ
فَلَا يَصِحُّ هُنَا، إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَيَّنَ عَلَيَّ حَرِيرٌ اذْهَبْ فَاسْتَقْرِضْ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَسْئُولُ أَنْ يُقْرِضَك فَاشْتَرِ مِنْهُ الْحَرِيرَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، بَلْ الْمَقْصُودُ اذْهَبْ فَاشْتَرِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَإِذَا فَعَلَ الْكَفِيلُ ذَلِكَ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَالْمِلْكُ لَهُ فِي الْحَرِيرِ وَالزِّيَادَةُ الَّتِي يَخْسَرُهَا عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ حَاصِلُهَا (ضَمَانٌ لِمَا يَخْسَرُ الْمُشْتَرِي نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ) كَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ فَمَا خَسِرَ فَعَلَيَّ، وَضَمَانُ الْخُسْرَانِ بَاطِلٌ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَضْمُونٍ وَالْخُسْرَانُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى أَحَدٍ، حَتَّى لَوْ قَالَ بَايِعْ فِي السُّوقِ عَلَى أَنَّ كُلَّ خُسْرَانٍ يَلْحَقُك فَعَلَيَّ أَوْ قَالَ لِمُشْتَرِي الْعَبْدِ إنْ أَبَقَ عَبْدُك هَذَا فَعَلَيَّ لَا يَصِحُّ (وَقِيلَ هُوَ تَوْكِيلٌ فَاسِدٌ) وَمَعْنَى عَلَيَّ مُنْصَرِفٌ إلَى الثَّمَنِ، فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ عَلَيْهِ يَكُونُ الْبَيْعُ لَهُ فَأَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ لِي فَهُوَ تَوْكِيلٌ لَكِنَّهُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِقْدَارُهُ وَلَا ثَمَنُهُ فَلَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ، كَمَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي حِنْطَةً وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَهَا وَلَا ثَمَنَهَا، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَدْرُ مَا يَقَعُ بِهِ الْإِيفَاءُ كَانَ الْحَاصِلُ اشْتَرِ لِي حَرِيرًا لِيَكُونَ ثَمَنُهُ الَّذِي تَبِيعُهُ بِهِ فِي السُّوقِ قَدْرَ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْنَا وَهُوَ لَا يُعَيِّنُ قَدْرَ ثَمَنِ الْحَرِيرِ الْمُوَكَّلِ بِشِرَائِهِ بَلْ مَا يُبَاعُ بِهِ بَعْدَ شِرَائِهِ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْإِيفَاءُ غَيْرُ مَعْلُومٍ (وَكَيْفَمَا) كَانَ تَوْكِيلًا فَاسِدًا أَوْ ضَمَانًا بَاطِلًا (يَكُونُ الشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ الْكَفِيلُ وَالرِّبْحُ أَيْ الزِّيَادَةُ) الَّتِي يَخْسَرُهَا (عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ) وَمِنْ صُوَرِ الْعِينَةِ أَنْ يُقْرِضَهُ مَثَلًا خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ يَبِيعَهُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشْرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ وَيَأْخُذَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْقَرْضَ مِنْهُ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ إلَّا عَشْرَةٌ وَثَبَتَ لَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ.
وَمِنْهَا أَنْ يَبِيعَ مَتَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَبْعَثَ مُتَوَسِّطًا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ بِأَلْفٍ حَالَّةً وَيَقْبِضَهُ ثُمَّ يَبِيعَهُ مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِأَلْفٍ ثُمَّ يُحِيلَ الْمُتَوَسِّطُ بَائِعَهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الَّذِي عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفٌ حَالَّةً فَيَدْفَعَهَا إلَى الْمُسْتَقْرِضِ وَيَأْخُذَ مِنْهُ أَلْفَيْنِ عِنْدَ الْحُلُولِ. قَالُوا: وَهَذَا الْبَيْعُ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ ﷺ «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَتَبِعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ذَلَلْتُمْ وَظَهَرَ عَلَيْكُمْ عَدُوُّكُمْ» وَالْمُرَادُ بِاتِّبَاعِ أَذْنَابِ الْبَقَرِ الْحَرْثُ لِلزِّرَاعَةِ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ يَتْرُكُونَ الْجِهَادَ وَتَأْلَفُ النَّفْسُ الْجُبْنَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُكْرَهُ هَذَا الْبَيْعُ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَحَمِدُوا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَعُدُّوهُ مِنْ الرِّبَا، حَتَّى لَوْ بَاعَ كَاغِدَةً بِأَلْفٍ يَجُوزُ وَلَا يُكْرَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute